الجمعة، 17 مايو 2013

عبد الرحمن بن عوف

ما يبكيك يا أبا محمد

ذات يوم، والمدينة ساكنة هادئة، أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف، راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق.
ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة، فاندفعت تقترب من أبواب المدينة، وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها.
وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها، لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة.
ولم يمض وقت غير وجيز، حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع المدينة وترجّها رجّا، ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل، وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق..
وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد ترتمت الى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..
سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟
وأجيبت: انها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له..
قالت أم المؤمنين:
قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!
أجل يا ام المؤمنين.. انها سبعمائة راحلة..!!
وهزت أم المؤمنين رأسها، وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا، كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته، أو حديث سمعته..
"أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"..
عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟
ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟
ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة اليه، فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة، وبأكثر من صيغة.
وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته، حث خطاه الى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه..
ثم قال:
" أما اني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها، وأقتابها، وأحلاسها، في سبيل الله عز وجل"..
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في نهرجان برّ عظيم..!!
هذه الواقعة وحدها، تمثل الصورة الكاملة لحياة صاحب رسول الله عبدالرحمن بن عوف".
فهو التاجر الناجح، أكثر ما يكون النجاح وأوفاه..
وهو الثري، أكثر ما يكون الثراء وفرة وافراطا..
وهو المؤمن الأريب، الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين، ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الايمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير..!!
متى وكيف دخل هذا العظيم الاسلام..؟
لقد أسلم في وقت مبكر جدا..
بل أسلم في الساعات الأولى للدعوة، وقبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ويتخذها مقرا لالتقائه بأصحابه المؤمنين..
فهو أحد الثمانية الذن سبقوا الى الاسلام..
عرض عليه أبوبكر الاسلام هو وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، فما غمّ عليهم الأمر ولا أبطأ بهم الشك، بل سارعوا مع الصدّيق الى رسول الله يبايعونه ويحملون لواءه.
ومنذ أسلم الى أن لقي ربه في الخامسة والسبعين من عمره، وهو نموذج باهر للمؤمن العظيم، مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين بشّرهم بالجنة.. وجعل عمر رضي الله عنه يضعه مع أصحاب الشورى الستة الذين جعل الخلافة فيهم من بعده قائلا:" لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض".
وفور اسلام عبدالرحمن بن عوف حمل حظه المناسب، ومن اضطهاد قريش وتحدّياتها..
وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الى الحبشة هاجر ابن عوف ثم عاد الى مكة، ثم هاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم هاجر الى المدينة.. وشهد بدرا، وأحدا، والمشاهد كلها..
****************
وكان محظوظا في التجارة الى حدّ أثار عجبه ودهشه فقال:
" لقد رأيتني، لو رفعت حجرا، لوجدت تحت فضة وذهبا"..!!
ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا..
بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء..
كلا..
انما كانت عملا، وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس، ومزيدا من السعي..
وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة، تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون..
فهو اذا لم يكن في المسجد يصلي، ولا في الغزو يجاهد فهو في تجارته التي نمت نموا هائلا، حتى أخذت قوافله تفد على المدينة من مصر، ومن الشام، محملة بكل ما تحتاج اليه جزيرة العرب من كساء وطعام..
ويدلّنا على طبيعته الجيّاشة هذه، مسلكه غداة هجر المسلمين الى المدينة..
لقد جرى نهج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بين كل اثنين من أصحابه، أحدهما مهاجر من مكة، والآخر أنصاري من المدينة.
وكانت هذه المؤاخات تم على نسق يبهر الألباب، فالأنصاري من أهل المدينة يقاسم أخاه المهاجر كل ما يملك.. حتى فراشه، فاذا كان تزوجا باثنين طلق احداهما، ليتزوجها أخوه..!!
ويومئذ آخى الرسول الكريم بين عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع..
ولنصغ للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يروي لنا ما حدث:
" .. وقال سعد لعبدالرحمن: أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه!!
وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلقها، وتتزوجها..!
فقال له عبدالرحمن بن عوف:
بارك الله لك في أهلك ومال..
دلوني على السوق..
وخرج الى السوق، فاشترى.. وباع.. وربح"..!!
وهكذا سارت حياته في المدينة، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، أداء كامل لحق الدين، وعمل الدنيا.. وتجارة رابحة ناجحة، لو رفع صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد تحته فضة وذهبا..!!
ومما جعل تجارته ناجحة مباركة، تحرّيه الحلال، ونأيه الشديد عن الحرام، بل عن الشبهات..
كذلك مما زادها نجاخا وبركة أنها لم تكن لعبدالرحمن وحده.. بل كان لله فيها نصيب أوفى، يصل به أهله، واخوانه، ويجهّز به جيوش الاسلام..
واذا كانت الجارة والثروات، انما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة عبدالرحمن بن عوف انما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل الله رب العالمين..!!
لقد سمع رسول الله يقول له يوما:
" يا بن عوف انك من الأغنياء..
وانك ستدخل الجنة حبوا..
فأقرض الله يطلق لك قدميك"..
ومن سمع هذا النصح من رسول الله، وهو يقرض ربه قرضا حسنا، فيضاعفه له أضعافا كثيرة.
باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار، ثم فرّقها في أهله من بني زهرة، وعلى أمهات المؤمنين، وفقراء المسلمين.
وقدّم يوما لجيوش الاسلام خمسمائة فرس، ويوما آخر الفا وخمسمائة راحلة.
وعند موته، أوصى بخمسن ألف دينار في سبيل الله، وأ،صى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار، حتى ان عثمان بن عفان رضي الله عنه، أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال:" ان مال عبدالرحمن حلال صفو، وان الطعمة منه عافية وبركة".
كان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده..
وآية ذلك أنه لم يكن يشقى بجمعه ولا باكتنازه..
بل هو يجمعه هونا، ومن حلال.. ثم لا ينعم به وحده.. بل ينعم به معه أهله ورحمه واخوانه ومجتمعه كله.
ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:
" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله.
" ثلث يقرضهم..
وثلث يقضي عنهم ديونهم..
وثلث يصلهم ويعطيهم.."
ولم كن ثراؤه هذا ليبعث الارتياح لديه والغبطة في نفسه، لو لم يمكّنه من مناصرة دينه، ومعاونة اخوانه.
أما بعد هذا، فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء..
جيء له يوما بطعام الافطار، وكان صائما..
فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال:
" استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفّن في بردة ان غطت رأسه، بدت رجلاه، وان غطت رجلاه بدا رأسه.
واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يمفن فيه الا بردة.
ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وأعطينا منها ما أعطينا واني لأخشى أن نكون قد عجّلت لنا حسناتنا"..!!
واجتمع يوما نع بعض أصحابه على طعام عنده.
وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى وسألوه:
ما يبكيك يا أبا محمد..؟؟
قال:
" لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير..
ما أرانا أخرنا لم هو خير لنا"..!!
كذلك لم يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكبر في نفسه..
حتى لقد قيل عنه: انه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أ، يميزه من بينهم..!!
لكن اذا كان هذا الغريب يعرف طرفا من جهاد ابن عوف وبلائه، فيعرف مثلا أنه أصيب يوم أحد بعشرين جراحة، وان احدى هذه الاصابات تركت عرجا دائما في احدى ساقيه.. كما سقطت يوم أحد بعض ثناياه. فتركت همّا واضحا في نطقه وحديثه..
عندئذ لا غير، يستطيع هذا الغريب أن يعرف أن هذا الرجل الفارع القامة، المضيء الوجه، الرقيق البشرة، الأعرج، الأهتم من جراء اصابته يوم أحد هو عبدالرحمن بن عوف..!!
رضي الله عنه وأرضاه..
لقد عوّدتنا طبائع البشر أن الثراء ينادي السلطة...
أي أن الأثرياء يحبون دائما أن يكون لهم نفوذ يحمي ثراءهم ويضاعفه، ويشبع شهوة الصلف والاستعلاء والأنانية التي يثيرها الثراء عادة..
فاذا رأينا عبدالرحمن بن عوف في ثرائه العريض هذا، رأينا انسانا عجبا يقهر طبائع البشر في هذا المجال ويتخطاها الى سموّ فريد..!
حدث ذلك عندما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجود بروحه الطاهرة، ويختار ستة رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليختاروا من بينهم الخليفة الجديد..
كانت الأصابع تومئ نحو ابن عوف وتشير..
ولقد فاتحه بعض الصحابة في أنه أحق الستة بالخلافة، فقال:
" والله، لأن تؤخذ مدية، فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها الى الجانب الآخر أحب اليّ من ذلك"..!!
******************
وهكذا لم يكد الستة المختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد الفاروق عمر حتى أنبأ اخوانه الخمسة الآخرين أنه متنازل عن الحق الذي أضفاه عمر عليه حين جعله أحد الستة الذين يختار الخليفة منهم.. وأنّ عليهم أن يجروا عملية الاختيار بينهم وحدهم أي بين الخمسة الآخرين..
وسرعان ما أحله هذا الزهد في المنصب مكان الحكم بين الخمسة الأجلاء، فرضوا أن يختار هو الخليفة من بينهم، وقال الامام علي:
" لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض"..
واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلافة، فأمضى الباقون اختياره.
هذه حقيقة رجل ثري في الاسلام..
فهل رأيتم ما صنع الاسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته، وكيف صاغه في أحسن تقويم..؟؟
وها هو ذا في العام الثاني والثلاثين للهجرة، يجود بأنفاسه..
وتريد أم المؤمنين عائشة أن تخصّه بشرف لم تختصّ به سواه، فتعرض عليه وهو على فراش الموت أن يدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر..
ولكنه مسلم أحسن الاسلام تأديبه، فيستحي أن يرفع نفسه الى هذا الجوار...!!
ثم انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون، اذ تواثقا ذات يوم: أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه..
وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمعو ولسانه يتمتم ويقول:
" اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال"..
ولكن سكينة الله سرعان ما تغشته، فكست وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة..
وأرهفت أذناه للسمع.. كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما..
لعله آنئذ، كان يسمع صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم له منذ عهد بعيد:
" عبدالرحمن بن عوف في الجنة"..
ولعله كان يسمع أيضا وعد الله في كتابه..
( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)..

الخميس، 16 مايو 2013

أبو جابر عبدالله بن عمرو بن حرام

** ظليل الملائكة


عندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، كان عبدالله بن عمرو بن حرام، أبو جابر بن عبدالله أحد هؤلاء الأنصار..
ولما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم منهم نقباء، كان عبدالله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة..
ولما عاد الى المدينة وضع نفسه، وماله، وأهله في خدمة الاسلام..
وبعد هجرة الرسول الى المدينة، كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي عليه السلام ليله ونهاره..
وفي غزوة بدر خرج مجاهدا، وقاتل قتال الأبطال..
وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو..
وغمره احساس صادق بأنه لن يعود، فكاد قلبه يطير من الفرح!!
ودعا اليه ولد جابر بن عبدالله الصحابي الجليل، وقال له:
" اني لا أراي الا مقتولا في هذه الغزوة..
بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين..
واني والله، لا أدع أحدا بعدي أحبّ اليّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وان عليّ دبنا، فاقض عني ديني، واستوص باخوتك خيرا"..
وفي صبيحة اليوم التالي، خرج المسلمون للقاء قريش..
قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة..
ودارت معركة رهيبة، أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا، كان يمكن أن يكون نصرا حاسما، لولا أن الرماة الذين امرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين، فتركوا مواقعهم فوق الجبل، وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم..
هذا الجيش الذي جمع فلوله شريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف تماما، ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء، فتحوّل نصر المسلمين الى هزيمة..
في هذا القتال المرير، قاتل عبدالله بن عمرو قتال مودّع شهيد..
ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهدائهم.. ذهب جابر ابن عبداله يبحث عن أبيه، حتى ألفاه بين الشهداء، وقد مثّل به المشركون، كما مثلوا يغيره من الأبطال..
ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد الاسلام عبدالله بن عمرو بم جرام، ومرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكونه، فقال:
" ابكوه..
أ،لا تبكوه..
فان الملائكة لتظلله بأجنحتها"..!!
كان ايمان أبو جابر متألقا ووثيقا..
وكان حبّه بالموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه..
ولقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم، يصوّر شغفه بالشهادة..
قال عليه السلام لولده جابر يوما:
" يا جابر..
ما كلم الله أحدا قط الا من وراء حجاب..
ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
فقالفقال له: يا عبدي، سلني أعطك..
فقال: يا رب، أسألك أن تردّني الى الدنيا، لأقتل في سبيلك ثانية..
قال له الله:
انه قد سبق القول مني: أنهم اليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة..
فأنزل الله تعالى:
(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)".
وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار، بعد فراغ القتال في أحد..
وعندما تعرف أهل عبدالله بن عمرو على جثمانه، حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا، وهمّت بهما راجعة الى المدينة لتدفنهما هناك، وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
بيد أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن:
" أن ادفنوا القتلى في مصارعهم"..
فعاد كل منهم بشهيده..
ووقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا لله ولرسوله.
ولما جاء دور عبدالله بن حرام ليدفن، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ادفنوا عبدالله بن عمرو، وعمرو بن الجموح في قبر واحد، فانهما كانا في الدنيا متحابين، متصافين"..
والآن..
في خلال اللحظات التي يعدّ فيها القبر السعيد لاستقبال الشهيدين الكريمين، تعالوا نلقي نظرة محبّة على الشهيد الثاني عمرو بن الجموح...

الخوارزمي

الخوارزمي


هو محمد بن موسى الخوارزمي، أصله من خوارزم.
عاصر المأمون، وأقام في بغداد حيث ذاع اسمه وانتشر
 صيته بعدما برز في الفلك و الرياضيات، اتصل بالخليفة
 المأمون الذي أكرمه، وانتمى إلى (بيت الحكمة) وأصبح من العلماء الموثوق بهم، وقد توفي بعد عام 232 هـ ، ويعتبر الخوارزمي مؤسس علم الجبر.
تشير الروايات إلى أن عائلة "الخوارزمي انتقلت من مدينة خوارزم (والتي تسمى "خيوا" حاليا في جمهورية أوزبكستان) إلى بغداد في العراق، والبعض ينسبه للعراق فقط، وأنجز الخوارزمي معظم أبحاثه بين عامي 813 و 833 م في دار الحكمة، التي أسسها الخليفة المأمون، حيث أن المأمون عينه على رأس خزانة كتبه، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها.
استفاد الخوارزمي من الكتب التي كانت متوافرة في خزانة المأمون فدرس الرياضيات، والجغرافية، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية، ونشر كل أعماله باللغة العربية، التي كانت لغة العلم في ذلك العصر.
ويسميه الطبري في تاريخه: محمد بن موسى الخوارزمي القطربلّي، نسبة إلى قرية قُطْربُلّ من ضواحي بغداد، وكان الخوارزمي قد بدأ كتابه (الجبر والمقابلة) بالبسملة، وتشير الموسوعات العلمية - كالموسوعة البريطانية وموسوعة مايكروسوفت إنكارتا، وموسوعة جامعة كولومبيا، وغيرها على أنه عربي، في حين تشير مراجع أخرى إلى كونه من أصول فارسية، وفي الإصدار العام للموسوعة البريطانية تذكر أنه "عالِم مسلم" من دون تحديد قوميته.
ويُعَدُّ الخوارزمي من أكبر علماء العرب، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية، وفي هذا الصدد يقول ألدو مييلي: "وإذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي، منذ البدء، بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي".
اسهاماته العلمية :
الخوارزمي أول من فصل بين علمي الحساب والجبر، كما أنه أول من عالج الجبر بأسلوب منطقي علمي، حيث يعد الخوارزمي أحد أبرز العلماء العرب، وأحد مشاهير العلم في العالم، إذ تعدد جوانب نبوغه، فبالإضافة إلى أنه واضع أسس الجبر الحديث، ترك آثاراً مهمة في علم الفلك وغدا (زيجه) مرجعاً لأرباب هذا العلم.
واطلع الناس على الأرقام الهندسية، ومهر علم الحساب بطابع علمي لم يتوافر للهنود الذين أخذ عنهم هذه الأرقام، وأن نهضة أوروبا في العلوم الرياضية انطلقت ممّا أخذه عنه رياضيوها، ولولاه لكانت تأخرت هذه النهضة وتأخرت المدنية زمناً ليس باليسير.
وابتكر الخوارزمي مفهوم الخوارزمية في الرياضيات وعلم الحاسوب، (مما أعطاه لقب أبي علم الحاسوب عند البعض)، حتى أن كلمة خوارزمية في العديد من اللغات (و منها algorithm بالانجليزية) اشتقت من اسمه، بالإضافة لذلك.
وقام الخوارزمي بأعمال مهمة في حقول الجبر والمثلثات والفلك والجغرافية ورسم الخرائط، أدت أعماله المنهجية والمنطقية في حل المعادلات من الدرجة الثانية الى نشوء علم الجبر، حتى أن العلم اخذ اسمه من كتابه حساب الجبر والمقابلة، الذي نشره عام 830، وانتقلت هذه الكلمة إلى العديد من اللغات (Algebra) في الانجليزية .
وكانت أعمال الخوارزمي الكبيرة في مجال الرياضيات نتيجة لأبحاثه الخاصة، إلا انه قد أنجز الكثير في تجميع و تطوير المعلومات التي كانت موجودة مسبقا عند الإغريق وفي الهند، فأعطاها طابعه الخاص من الالتزام بالمنطق، وبفضل الخوارزمي، يستخدم العالم الأعداد العربية التي غيرت و بشكل جذري مفهومنا عن الأعداد، كما انه قد ادخل مفهوم العدد صفر، الذي بدأت فكرته في الهند.
وصحح الخوارزمي أبحاث العالم الإغريقي Ptolemy في الجغرافية، معتمدا على أبحاثه الخاصة، كما أنه قد اشرف على عمل 70 جغرافيا لانجاز أول خريطة للعالم، عندما أصبحت أبحاثه معروفة في أوروبا بعد ترجمتها إلى اللاتينية، كان لها دور كبير في تقدم العلم في الغرب، عرف كتابه الخاص بالجبر أوروبا بهذا العلم وأصبح الكتاب الذي يدرس في الجامعات الأوروبية عن الرياضيات حتى القرن السادس عشر، كتب الخوارزمي أيضا عن الساعة، الإسطرلاب، و الساعة الشمسية.
ولعبت انجازات الخوارزمي في الرياضيات دورا كبيرا في تقدم الرياضيات والعلوم التي تعتمد عليها، وإضافةً إلى إسهاماته الكبرى في الحساب، أبدع الخوارزمي في علم الفلك وأتى ببحوث جديدة في المثلثات، ووضع جداول فلكية (زيجاً)، وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منهومن أهم إسهامات الخوارزمي العلمية التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط.

مؤلفاته :
يعد كتاب "الجبر والمقابلة" من أشهر كتب الخوارزمي، وهو الكتاب الذي ألَّفه لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين، ويعالج الكتاب المعاملات التي تجري بين الناس كالبيع والشراء، وصرافة الدراهم، والتأجير، كما يبحث في أعمال مسح الأرض فيعين وحدة القياس، ويقوم بأعمال تطبيقية تتناول مساحة بعض السطوح، ومساحة الدائرة، ومساحة قطعة الدائرة، وقد عين لذلك قيمة النسبة التقريبية (ط) فكانت 7/22، وتوصل أيضاً إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط.
ومن كتبه المهمة أيضا : الزيج الأول، الزيج الثاني المعروف بالسند هند، كتاب الرخامة، كتاب العمل بالإسطرلاب.

الأربعاء، 15 مايو 2013

جابر بن حيان

جابر بن حيان 


مُقَدِمُةْ:~
ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحياناً وتاريخية حيناً آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعدّ الممثل الأول للكيمياء العربية.
وقد أثّر جابر في الكيمياء الأوربية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان.
******************************************
مَوِلُدّهِ:_
أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، ولد على أشهر الروايات في سنة 101 هـ/721  م   وقيل أيضاً 117 هـ / 737  م   عالم عربي وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الجزيرة على الفرات شرق سوريا، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين في سوريا. ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو العالم الفلكي العربي جابر بن أفلح الذي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ويذهب البعض إلى أنه ولد في مدينة طوس من أعمال خراسان في إيران.
وقد وصف بأنه كان طويل القامة، كثيف اللحية مشتهرا بالإيمان والورع وقد أطلق عليه العديد من الألقاب ومن هذه الألقاب "الأستاذ الكبير" و"شيخ الكيميائيين المسلمين" و"أبو الكيمياء" و"القديس السامي التصوف" و"ملك الهند".
و جابر بن حيان شخصية بارزة، ومن أعظم علماء القرون الوسطى. وهو أبو موسى جابر بن حيان الأزدي. ويلقب أحياناً بالحراني والصوفي. وعرف عند الأوربيين في القرون الوسطى باسم . ويقال إنه كان من الصابئة ومن ثم جاء لقبه الحراني.، ويذكر الأب جورج قنواتي أن جابراً أرسل إلى الجزيرة العربية بعد وفاة والده، وهو صغير حيث درس القرآن والرياضيات، وذهب ابن النديم في "الفهرست" إلى أن الناس اختلفوا في نسبة جابر إلى جهة معينة كالشيعة والبرامكة والفلاسفة، بل هناك من أنكر وجوده أصلاً، لذلك يجب التحفظ بشأن نسبته إلى الصابئة. وإن كان أصله من خراسان فقد عاش معظم حياته في الكوفة. ولد جابر في طوس حوالي 721/102م، وتوفي حوالي 199 هـ موافق سنة 815م على اختلاف بين المؤرخين.
مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد.
*****************************************

نَشْـأتُهْ:_

هاجر والده حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدلانياً وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة (ولعل مهنة والده كانت سبباً في بدايات جابر في الكيمياء وذلك لارتباط سافر إلى حران أفي أعالي بلاد ما بين النهرين ويقال خراسان، وفي حران ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء. تعود إلى قبيلة الأزد، رجعت عائلة جابر بن حيان إلى الكوفة. وتعلم هناك.

****************************************************

مَدِرُسْتَهِ:

نضم إلى حلقات الإمام جعفر الصادق ولذا نجد أن جابر بن حيان تلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يد الإمام جعفر الصادق. وذكر أنه درس أيضا على يد الحميري. ومعظم مؤرخي العلوم يعتبرون جابر بن حيان تلقى علومه من أستاذه الحقيقي الإمام جعفر الصادق. وان كان من الثابت انه عربي مولود في جنوب العراق بناءا على المصادر الموثوق بها مثل دائرة المعارف البريطانية والموسوعة الإسلامية وغيرها ولم يذكر تاريخيا مذهب ما للكوفي حيث كانت المذاهب في ذلك الوقت ليست إلا موقفا سياسيا من الخلافة هذا بالإضافة إلى أن التصنيف المذهبي لا يستخدم في تدوين شخصيات الأديان الأخرى.

أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات . وقد درس جابر ما خلّفه الأقدمون، فلم يرَ من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار.

ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني . وزعم هولميارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة.

**********************************************

الكيمياء في عصره:~
بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديث والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر.

وقد تأثر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان. لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية. فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا إلى علماء المسلمين يرجع الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير والتسامي والترشيح والتبلور والملغمة والتأكسد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء

**********************************************************

مَنِهُجِهْ الْعِلُمَيْ:_
العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: "إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل" .
وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتماداً على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول:
وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبداً .
وقد كان جابر انطلاقاً من قناعته بإمكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الإتقان المتين، كان شجاعاً بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.
تساءل جابر ؟!  ألا يمكن أن يكون التوليد ممكناً،  فالكائن الحي بالنسبة له بل الإنسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة .
ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لا يعني أن هذا العالم قد تخلص من الأفكار القديمة، وحرّر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لا يعني أيضاً أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور .
ولجابر  الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواحي العلمية الأخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.
فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، التبخير، التكليس، الإذابة، التبلور، وغيرها .

كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الان، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية .

**********************************************

رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:~
ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحاً (نفساً، جوهراً ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.
ويرى جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاءً (ممزوجاً بعناصر أخرى ) كان أضعف تأثيراً، فإذا أردنا عنصراً قوي الأثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:
[ فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئاً منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئاً من روحه].

تطبيق هذا الرأي على الذهب:

يقول جابر:_

[إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفّيه مرة بعد أخرى، حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في أيدينا إكسيراً أو دواءً، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين].

فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجيناً مختمراً، فكذلك الأكسير (الأحمر المستخرج من الذهب ) يقلب المعادن ذهباً، والأكسير (الأبيض المستخرج من الفضة) يقلب المعادن فضة

أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهباً وفضة (بسهولة ) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد.

ويبدو أن (الروح، الخميرة، الأكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء ) أسماء مختلفة لشيء واحد فالأكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل.

 

ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن كائناً حياً ينمو في باطن الأرض أمداً طويلاً آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الإسراع بهذا الانقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت.

كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الأرض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.

ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهماً فضلاً عن ذلك لا يتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماماً، وحصل الاتحاد كاملاً بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن.

أما الخليط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الأصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يُشكّل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الأكاسير.

ومن هنا نستنتج أن جابراً يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظرياً على الأقل، وإن كان ذلك صعباً تجريبياً!.ً

***********************************

 اكتشافات جابر الكيميائية:_

1)عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الأصباغ في الأقمشة،والعلم الحديث اثبت ذلك، (الشب = أملاح الألمنيوم).

2)توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الألمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.

3)توصل إلى استخدام كبريتيد الانتموان، الذي له لون الذهب، ليعوّض عن الأخير الغالي الثمن.

4)تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لا يعرف حتى الان نوع هذا الورق.

5)أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الان.

6)مارس كثيراً من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية.
*************************************************

 

كانت أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، فهو الذي أدخل المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي ، وماء الفضة. وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر، وماء الذهب، والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن، وتحضير الفولاذ، وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.

وقد قسم جابر المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة، وهي : _

1) الكحوليات، أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها مثل الكافور، وكلوريد الألمنيوم .

2) المعادن مثل الذهب، والفضة، والرصاص، والحديد.

3) المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق.

وخلاصة القول، حسب "سارطون"، إنه لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لما قام به جابر إلا إذا تم تحقيق وتحرير جميع مؤلفاته ونشرها
*******************************************

تعود شهرة جابر بن حيان إلى مؤلفاته العديدة، ومنها "كتاب الرسائل السبعين"، ترجمه إلى اللاتينية جيرار الكريموني سنة 1187م وتضاف إلى هذه الكتب تصانيف أخرى عديدة تتناول، إلى جانب الكيمياء، شروحاً لكتب أرسطو وأفلاطون ؛ ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، الطب، والموسيقى. وجاء في "الأعلام" للزركلي أن جابراً له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين (232) وخمسمائة (500) كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678. وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون، وقد كان لها أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. وفي هذا يقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوربية.
تميّزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النـزعة الطبية فهي رسائل السموم. 
ولجابر أسلوب لايشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق. 
وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفاً لجابر، يمكن الرجوع إليها في كتاب الفهرست ، وكذلك ذكرها كرواس في مؤلفه رسائل جابر .
يمكن أن نعدّ رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الإسلامية، على الرغم من أن عدداً عظمياً من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أُخذت عنها.
****************************************

كُتِبَهِ:_
   .أسرار الكيمياء*
   نهاية الإتقان.*
   .أصول الكيمياء*
    .علم الهيئة *
  . الرحمة*
  . المكتسب*
   .الخمائر الصغيرة*
   . صندوق الحكمة*
   . كتاب الملك*
الخواص. *
كتاب الرسائل السبعين:_*
ويشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل إليها ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره.
  _:السموم ودفع مضارها*
كتاب في خمسة فصول تبحث أسماء السموم و أنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان. والعلامات والعلاج والحذر من السموم وفيه قسم السموم إلى سموم حيوانية ونباتية وحجرية كالزئبق والزرنيخ 
والزاج. وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بين الطب والكيمياء.
***********************************************************
تَلامِيُذّهِ:~ 
قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي ) الذي ينسب إليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي).
ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:~
 [قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان ]، ومراده بقوله أستاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم 

منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم.
*****************************************
وَفَـاتِهُ:_
توفي في عام 815 م في الكوفة بالعراق وهو في الخامسة والتسعين من عمره.