‏إظهار الرسائل ذات التسميات صحابة الرسول { صلي الله عليه وسلم }. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات صحابة الرسول { صلي الله عليه وسلم }. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 26 يوليو 2013

جعفر بن عبد المطلب

جعفر بن عبد المطلب 
أبو المساكين

انظروا جلال شبابه ....
انظروا نضرة أهابه .....
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف ..... وجوده الذي لا يخاف الفقر ...
انظروا طهره وعفته
انظروا صدقه وأمانته انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن والفضيلة والعظمة ، ثم لا تعجبوا فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خلقا وخلقا .
أنتم أمام من كناه الرسول ب ( أبى المساكين )
أنتم تجاه من لقبه الرسول ب ( ذي الجناحين )
انتم تلقاء طائر الجنة الفريد ( جعفر بن أبى طالب )

إسلامه :
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما أخذا مكانه العالي بين المسلمين المبكرين ...
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته " أسماء بنت عميس "
وحملا نصيبهما من الأذى والاضطهاد في شجاعة وغبطة .....
فلما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الهجرة إلي الحبشة ، خرج جعفر وزوجته حيث لبثا بها سنين عددا رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة ( محمد – عبد الله – عوف )

يوم المحاورة :
وفى الحبشة كان جعفر بن أبى طالب المتحدث اللبق ، والموفق باسم الإسلام ورسوله
ذلك أن الله أنعم عليه – فيما أنعم – بذكاء القلب ، وإشراق العقل ، وفطنة النفس ، وفصاحة اللسان .
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد أروع أيامه وأمجاده وأخلدها .....
فإن يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي ملك الحبشة لن يقل روعة ولا بهاءا ولا مجدا ....
وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها ولم يذهب من غيظها ولم يطامن من أحقادها هجرة المسلمين إلى الحبشة بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم ، هنالك قرر ساداتها إرسال مبعوثين إلي النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة ، ويحملان رجائها في أن يخرج من بلادة هؤلاء الذين جاءوا إليها لائذين ومستجيرين ....
وكان هذان المبعوثان : عبد الله بن أبى ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وكانا لم يسلما بعد ......
وحط الرسولان رحالهما بالحبشة ، وقابلا الزعماء الروحانيين بها ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها إليهم ثم أرسلا للنجاشي هداياه ومضيا يوغران صدر القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين ويستنجدان بهم لحمل النجاشي على إخراجهم من بلادة .....
وحدد يوم يلقيان فيه النجاشي ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها ...
وفي وقار مهيب ، وتواضع جليل ، جلس النجاشي عل كرسيه العالي ، تحف به الأساقفة ورجال الحاشية وجلس أمامه في البهو الفسيح المسلمون المهاجرون تغشاهم سكينة الله وتظلهم رحمته ووقف مبعوثا قريش يرددان الاتهام الذي سبق أن ردداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذا الاجتماع الحاشد الكبير :
" أيها الملك أنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، بل جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم "
وولى النجاشي وجهه شطر المسلمين ملقيا عليهم سؤاله :
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا " ؟؟؟؟
ونهض جعفر قائما ... ليؤدى المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ، نهض جعفر في تؤدة وجلال ، وألقى نظرات على الملك الذي أحسن جوارهم وقال :
" كنا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجواري ، ويأكل القوي منا الضعيف ... حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه ، وصدقه وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ....
وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ...
ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، ... فصدقناه وأمنا به ، واتبعناه على ما جاءه من ربه ، فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان وإلى ما كنا عليه من الخبائث ...
فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك "
والقي " جعفر " بهذه الكلمات المشفرة كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي إحساسا وروعة والتفت إلى جعفر وسأله :
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيئا "؟؟؟
قال جعفر : نعم ...
قال النجاشي : فاقرأه على...
ومضى جعفر يتلوا آيات من سورة مريم في أداء عذب وخشوع أثر فبكى النجاشي وبكى معه أساقفته جميعا ....
ولما كففت دموعه الهاطلة الغزيرة التفت إلي مبعوثي قريش ، وقال :
" إن هذا والذي جاء به عيسي ، ليخرج من مشكاة واحدة ...
انطلقا فلا والله ، لا أسلمهم إليكما " ....!!!!
انفض الجمع ، وقد نصر الله عباده وآزرهم في حين زرىء مندوبا قريش بهزيمة منكرة ...
ولكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة ، لا يتجرع الهزيمة ولا يذعن لليأس.
وفى الغداة سار إلي مقابلة الملك وقال له عمرو :
" أيها الملك إنهم ليقولون في عيسى قولا عظيما ".....
واضطرب الأساقفة ، واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة ، ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح .....
وانعقد الاجتماع من جديد ، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر :
" ماذا تقولون في المسيح "؟؟؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال :
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ...
فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح على نفسه ...
لكن صفوف الأساقفة ضجت بما يشبه النكير ....
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين :
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبكم أو آذاكم فعليه غرم ما يفعل " ...
ثم التفت صوب حاشيته وقال وسبابته تشير إلى مبعوثي قريش :
" ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ....
فوا لله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فأخذ الرشوة فيه "...!!!
وخرج مبعوثا قريش مخذولين ، حيث وليا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين إليها ....

استشهاد جعفر :
وكانت غزوة مؤتة تتحرك راياتها في الأفق متأهبة للزحف وللمسير ....
وتقدم جعفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا .....
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة بل ولا حربا صغيرة إنما هي حرب لم يخض الإسلام مثلها من قبل ، حرب مع جيوش إمبراطورية عريضة باذخة ، تملك من العتاد والأعداد والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين بها ومع هذا طار قلبه شوقا إليها وكان ثالث ثلاثة جعلهم الرسول قواد الجيش وأمراءه ...
خرج الجيش وخرج جعفر معه ...
والتقى الجمعان في يوم رهيب ....
وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين " زيد بن حارثة " حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى يقاتل بها فى إقدام خارق إقدام رجل لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة ......
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل ... وراح يصوب سيفه ويسدده إلى نحور أعداءه كنقمة القدر ... ولمح واحدا من الأعداء يقترب من فرسه ليعلوا ظهرها فعز عليه أن يمتطى صهوتها هذا الرجز فبسط نحوها سيفه وعقرها ....!!!!
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل ، وكأنه جيش لجب ...وأحاطوا به فى إصرار مجنون على قتله وحاصروه حصارا لامنفذ فيه للنجاة .
وضربوا بالسيوف يمينه ، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله .. وضربوها هى الأخرى فاحتضن الراية بعضديه ...
وفى هذه اللحظة تركزت كل مسئوليته فى ألا يدع الراية راية الرسول صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حي ...
وحين تكومت جثته الطاهرة ، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه فشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها وأخذها في قوة ومضى بها إلى مصير عظيم .
وهكذا صنع جعفر لنفسه موته من أعظم موتات البشر ...
وذهب المساكين جميعا يبكون أباهم .. فقد كان جعفر رضي الله عنه " أبا المساكين "
يقول أبو هريرة : " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب "
أجل كان أجود الناس بماله وهو حي ... فلما جاء أجله أبى إلا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحياته .
إنه هنالك فى جنان الخلد يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح ....
وإن شئتم فاسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
"لقد رأيته فى الجنة .. له جناحان مضرجان بالدماء ... مصبوغ القوادم " ....!!!
 

بلال بن رباح

بلال بن رباح
( مؤذن الرسول )    (صلي الله عليه وسلم ))

كان عمر بن الخطاب إذا ذكر أبو بكر قال :
" أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا "
وإن رجلا يلقبه عمر بسيدنا لهو رجل عظيم ومحظوظ ....
لكن هذا الرجل الشديد السمرة ، النحيف الناحل ، المفرط الطول ، الكث الشعر ، الخفيف العارضين - كما وصفة الرواة – لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه إلا ويحنى رأسه ويغض طرفه ، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل :

( إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا )
فمن هذا الحبشي الذي كان بالأمس عبدا ؟؟؟؟؟
إنه " بلال بن رباح " مؤذن الإسلام ومزعج الأصنام ....
إنه إحدى معجزات الإيمان والصدق ......
إحدى معجزات الإسلام العظيم ........
إن كثيرا من علية البشر ، وذوى الجاه والمال لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي
لكن صدق إيمانه وعظمة الدين الذي أمن بة بوأه في حياته وفى تاريخه مكانا عليا بين عظماء الإسلام
إن سواد بشرته وتواضع حسبة ونسبة وهوانه على الناس كعبد فقير لم يحرمه حين اثر الإسلام دينا من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه وطهره وتفانيه .
إسلام بلال :
إنه حبشي من أمة السود جعلته مقاديره عبدا لأناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمة إحدى إمائهم وجواريهم .
كان يعيش عيشة الرقيق تمضى أيامه متشابهة قاحلة لا حق له في يومه ولا أمل له في غدة ....!!!!
ولقد بدأت أنباء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تنادى سمعة ، حين أخذ الناس في مكة يتناقلونها وحين كان يصغى إلى أحاديث سادته واصيافهم ، سيما (أميه بن خلف) أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها .....
لطالما سمع أميه هو يتحدث مع أصدقائه حينا وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا ، وغما ، وشرا .
وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون ، الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد ... وكان يحس إنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها ، كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعده المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته .
وذات يوم يبصر بلال نور الله ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنين فيذهب إلي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسلم ......
ولا يلبث خبر إسلامه أن يذيع ، وتدور الأرض برؤوس أسيادة من بني جمح .. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور وتجثم شياطين الأرض فوق رأس "أميه بن جمح" الذي رأى إسلام عبد من عبدانهم لطمه جللتهم جميعا بالخزي والعار .
عبدهم الحبشي يسلم ، ويتبع محمد !!!!!
أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للإسلام وحدة ولكنه شرف للإنسانية جميعا ...
لقد صمد لأقصى ألوان التعذيب صمود الأبرار العظام .
لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضع رجال ويلقون به فوق بلال .
ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم حتى رقت لبلال فرضوا أن يخلوا سبيله على أن يذكر ألهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبريائهم ، ولا تتحدث قرش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره .
ولكن حتى هذه الكلمة العابرة رفض بلال أن يقولها ...!
نعم لقد رفض أن يقولها وأخذ يردد نشيده الخالد :
( أحد ، أحد )
ويذهب إليه أبو بكر الصديق وهم يعذبونه ويصيح بهم :
" أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله "..؟؟؟؟؟
وباعوه لأبى بكر الذي حرره من فورة وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار ......

مؤذن الرسول :

وبعد هجرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
والمسلمين إلى المدينة واستقرارهم بها ، يشرع الرسول للصلاة أذانها ....
فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم ؟
إنه بلال لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للإسلام وبصوته الندى الشجي مضى يملأ الأفئدة إيمانا والأسماع روعه وهو يردد :


اللـــــه أكبــــر اللـــه أكبــــــر
اللــــه أكبــــر اللــــه اكبـــر
أشهـــــد أن لا إلــه إلا الله
أشهــــتد أن لا إلـــه إلا الله
أشهد أن محمدا رسول الله
أشهد أن محمدا رسول الله
حــــي على الصـــــــــــــلاة
حــــي على الصـــــــــــــلاة
حــــي على الفــــــــــــــلاح
حــــي على الفــــــــــــــلاح
اللـــه أكبـــــر اللــــه اكبــــر
لا إلــــــــــه إلا اللــــــــــــه


وينشب القتال بين المسلمين وجيش قريشا الذي قدم المدينة غازيا وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الإسلام ، غزوة "بدر" تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها :
< أحد ، أحد >
وتمضى الأيام ..... وتفتح مكة ......
ويدخلها الرسول عليه السلام مكبرا شاكرا على رأس عشرة ألاف من المسلمين ...
ويدخل الرسول الكعبة مصطحبا بلالا ويأمره أن يعلو ظهر المسجد ويؤذن .
ويؤذن بلال .. فيا لروعة الزمان ، والمكان ، والمناسبة .
كفت الحياة في مكة عن الحركة ، ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان وراء بلال ....
وعاش بلال مع الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد معه المشاهد كلها ، ويؤذن للصلاة ، وكان بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله الذي كان يصفه بأنه رجلا من أهل الجنة ...
وذهب الرسول إلي الرفيق الأعلى راضيا مرضيا ونهض بأمر المسلمين من بعدة خليفته أبو بكر الصديق ..
وذهب بلال إلي خليفة الرسول يقول له :
" ياخليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل عمل المؤمن ، الجهاد في سبيل الله "
قال له أبو بكر : فما تشاء يابلال ؟؟؟
قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتى الموت .....
قال أبو بكر : ومن يؤذن لنا ؟؟؟؟؟
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع : إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله .


وفاة بلال :

ويختلف الراة ، فيروى بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي بها مجاهدا ومرابطا .
ويروى بعضهم الآخر ، أنه قبل رجاء أبو بكر في أن يبقى معه في المدينة ، فلما قبض وولى لخلافة عمر ، استأذن وخرج إلى الشام .
على أي حال فقد نذر بلال بقية حياته وعمرة للمرابطة في ثغور الإسلام ، مصمما على أن يلقى الله ورسوله على خير عمل يحبانه


آخر آذان لبلال :


وكان آخر آذان له ، أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر ، وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة .
ودعا أمير المؤمنين وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له ... بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا .... وكان "عمر" أشدهم بكاءا ...!!!


مصعب بن عمير

مصعب بن عمير

((مصعب الخير ) (أول سفراء الإسلام ))

• قصة اسلامه:
   هذا الرجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ بة الحديث
غرة فتيان قريش ، وأوفاهم بهاء ، وجمالا ، وشبابا .....
بالله ما أروعة من نبأ .. نبأ مصعب بن عمير أو "مصعب الخير " كما كان لقبة بين المسلمين .
إنه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام ورباهم محمد عليه الصلاة والسلام .
إن قصة حياته لشرف لبنى الإنسان جميعا .
لقد سمع الفتى ذات يوم ، ما بدأ أهل مكة يسمعونه عن محمد الأمين .....
" محمد الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.
وكان على الرغم من حداثة سنة ، زينة المجالس والندوات ، تحرص كل ندوة على أن يكون مصعب بين شهودها ، ذلك أن أناقة المظهر ورجاحة العقل كانتا من خصال بن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب .....
ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن أمن معه ، يجتمعون بعيدا عن فضول أهل قريش في دار" الأرقم بن أبى الأرقم " فلم يطل به التردد بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه .....
هناك كان الرسول يلتقي بأصحابه فيتلوا عليهم من القرآن ويصلى معهم لله العلى الكبير.....
ولم يكد " مصعب " يأخذ مكانه ، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألقة على شفتيه ، ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة حتى كان قلب " بن عمير" في تلك الأمسية هو القلب الموعود !!
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك " تتمتع بقوة فذة في شخصيتها وكانت تهاب إلى حد الرهبة .ولم يكن مصعب حين أسلم ليخاف من أحد على ظهر الأرض سوى أمه ولقد فكر سريعا وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضى الله أمرا .
ولكنها علمت فيما بعد فطار صوابها ومضت به إلى ركن قصي من أركان دارها وحبسته فيه وأحكمت عليه اغلاقة وظل رهين محبسه ذاك حتى خرج بعض المؤمنين إلى أرض الحبشة ، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ وغافل أمه وحراسة إلى الحبشة مهاجرا أوابا ثم يعود إلى مكة ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
وخرج مصعب يوما على بعض الصحابة وهم جلوس حول رسول الله (ص) فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيا ...
ذلك أنهم رأوه يرتدى جلبابا مرقعا باليا ، وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه حين كانت ثيابه كزهور الحديقة نضره ، وألقا ، وعطرا ....
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة وشاكرة ومحبة وتألقت على شقتيه ابتسامته الجليلة وقال :
" لقد رأيت مصعبا هذا ، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ثم ترك هذا كله حبا لله ورسوله " ...
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها وأصبح الفتى المتأنق المعطر لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب ، يأكل يوما ويجوع أياما ، ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة ، والمتألقة بنور الله جعلت منه إنسانا أخر يملأ الأعين جلالا والأنفس روعه

• أعظم مهمة في التاريخ
وآنئذ اختاره الرسول إلى أعظم مهمة وقت في حينها ، أن يكون سفيره إلى المدينة يفقه الأنصار الذين أمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة ، ويدخل غيرهم في دين الله ، ويعد المدينة ليوم الهجرة العظيم .
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم ، ولقد غزا أفئدة أهل المدينة بزهده وترفعه وإخلاصه ، فدخلوا في دين الله أفواجا ...
لقد جاءها يوم بعثة الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة ، وفى موسم الحج التالي لبيعة العقبة كان مسلموا المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم وكان عدد أعضائه سبعون مؤمنا ومؤمنة جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم " مصعب بن عمير"
لقد أثبت مصعب بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله (ص) عرف كيف يختار فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها . عرف أنه داعيا إلى الله ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس إلى الهدى وإلى صراط مستقيم وأنه كرسوله الذي أمن به ليس عليه إلا البلاغ .
لقد نجح أول سفراء الرسول (ص) نجاحا منقطع النظير ، نجاحا هو له أهل وبه جدير .

• استشهاد مصعب الخير

وتمضى الأيام والأعوام ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة وتتلمظ قريش بأحقادها وتعد عدة باطلها لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين وتقوم غزوة بدر فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر وتجيء غزوة أحد ويعبأ المسلمون أنفسهم ويقف الرسول (ص) وسط صفوفهم يتفرس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية ويدعوا مصعب الخير فيتقدم ويحمل اللواء .
وتشب المعركة الرهيبة ويحتدم القتال ويخالف الرماة أمر الرسول(ص) ويغادرون مواقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين لكن عملهم هذا سرعان ما يحول نصر المسلمين إلى هزيمة ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل وتعمل فيهم على حين غرة السيوف الظالمة المجنونة ...
وحين رأوا الفوضى والذعر يمزقان صفوف المسلمين ركزوا على رسول الله (ص) لينالوه ...
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر فرفع اللواء عاليا وأطلق تكبيره كالزئير ومضى يصول ويجول ويتواثب وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول (ص) بنفسه وجرد من ذاته جيشا بأسره أجل ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير يد تحمل الراية في تقديس ويد تضرب بالسيف في عنفوان ....
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول....

• مشهد الاستشهاد
حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل بن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء
وقع مصعب .... وسقط اللواء
وقع حلية الشهادة ، وكوكب الشهداء وقع بعد أن خاض باستبسال عظيم معركة الفداء والإيمان .


عمرو بن العاص

عمرو بن العاص
مقدمة :
كانوا ثلاثة فى قريش أتعبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه ....
وكان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة ....
ولكن اختار الله له طريق التوبة والرحمة فهداهم إلى الإسلام ....
وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل ... وغلى قائد من قادة الإسلام البواسل ...
وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظرة فيها فإن دوره كصحابي جليل بذل وأعطى سيظل يفتح على محياه أعيننا وقلوبنا ...
وهنا فى مصر بالذات ، سيظل الذين يرون فى الإسلام دينا قيما مجيدا ويرون فى رسوله الرحمة المهداة سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذى الولاء لهذا الرجل الذي جعلته الأقدار سببا لإهداء الإسلام إلى مصر وإهداء مصر إلى الإسلام فنعمت الهدية ونعم مهديها ..
ذلكم هو " عمرو بن العاص " رضي الله عنه ..
ولقد تعود المؤرخون أن ينعتوا عمرا ب ( فاتح مصر )
بيد أنا نرى فى هذا الوصف تجوزا وتجاوزا ، ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه " محرر مصر "
فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح ، إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا البلاد والعباد سوء العذاب وهما : إمبراطورية الفرس ، وإمبراطورية الروم ...
و مصر بالذات يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى ولما دوت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن : الله أكبر الله أكبر
سارعوا جميعا فى زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان ...
فعمرو بن العاص ورجاله لم يفتحوا مصر إذن إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها وتربط بالعدل مقاديرها وتجد نفسها وحقيقتها فى ضوء كلمات الله ومبادئ الإسلام ...
ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الذين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها....

إسلام عمرو بن العاص :
وعمرو بن العاص ولم يكن من السابقين إلى الإسلام فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل .
ومن العجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرو ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي وفى زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وسأل عاهل الحبشة عمرو كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقا ...؟؟؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا : " أهو كذلك " ؟؟
وأجابه النجاشي : " نعم فأطعني ياعمرو واتبعه فإنه والله لعلى حق وليظهرن على من خالفه " ..!!!
وركب عمرو ثبج البحر من فوره عائدا إلى بلادة وميمما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين ..
وفى الطريق إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام ..
ولم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يراهما حتى تهلل وجهة وقال لأصحابه :" لقد رمتكم مكة بفلذات أكبادها "
وتقدم خالد فبايع الرسول ثم تقدم عمرو فقال : " إني أبايعك على أن يغفر الله لى ما تقدم من ذنبي " ...
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا :" ياعمرو بايع .... فإن الإسلام يجب ما كان قبله " ..
وبايع عمرو ووضع دهائه وشجاعته فى خدمة الدين الجديد
وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، كان عمرو واليه على عمان ، وفى خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود فى حروب الشام ثم فى تحرير مصر من حكم الرومان ....

الأمير عمرو بن العاص :
واليت عمرو بن العاص قد قاوم فى نفسه حب الإمارة ...
على إن حب عمرو الإمارة كان إلى حد ما ، تعبيرا تلقائيا عن طبيعيه الجياشة بالمواهب ....
بل إن شكله الخارجى وطريقته فى المشى وفى الحديث كانت تومئ إلى إنه خلق للأمارة !! حتى لقد روى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا ، فابتسم لمشيته وقال :
"ما ينبغى لأبى عبد الله أن يمشى على الأرض إلا أميرا " ...
والحق أن أبا عبد الله لم يبخس نفسه هذا الحق . وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث باسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء والمقدرة ما يجعله واثقا من نفسه واثقا بنفسه معتزا بتفوقه ...
ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو الصارم فى اختيار ولاته يختاره واليا على فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ...
ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للأمارة يحمله على التفريط فى مسئولياته ، ما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه فى الولاية لحظة ....

صفات عمرو :
وكان عمرو رضي الله عنه حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ...
كما كان بالغ الجرأة مقداما ...
ولقد يمزج جرأته بدهائه فى بعض المواطن ، ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر قيل لأمير المؤمنين :
أن على رأس جيوش الروم بالشام " أرطبونا " أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة فكان جواب عمر :
" لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فلننظر عما تنفرج الأمور "...
ولقد انفرجت عن هزيمة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم الخطيرة عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر .. التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام .

وفاة عمرو بن العاص :
وفى السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها ... وراح يستعرض حياته فى لحظات الرحيل فقال :
" كنت أول أمري كافرا .. وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار....
ثم بايعت رسول الله فما كان فى الناس أحد أحب إلى منه ولا أجل فى عيني منه .. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ... فلو مت يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ...
ثم بليت بعد ذلك للسلطان وبأشياء لا أدرى أهي لي أم علي " ....
ثم رفع بصره إلى السماء فى ضراوة مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا :
" اللهم لا بريء فاعتذر ولا عزيز فأنتصر ، وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين "...
وظل في ضراعاته وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه وكانت أخر كلماته : لا اله إلا الله ........



 

عبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير
o أول جنين فى الهجرة:  
كان جنينا مباركا فى بطن أمه ، وهى تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم .
وهكذا قدر لعبد الله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها ، تبلغ قباء عند مشارف المدينة ، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة فى نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
وحمل أول مولود فى الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى دارة بالمدينة فقبله وحنكه وكان أول شيء دخل جوف عبد الله بن الزبير ريق الرسول الكريم ، واحتشد المسلمون فى المدينة وحملوا الوليد ثم طوفوا به فى شوارع المدينة كلها مهللين ومكبرين ...
ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه أشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم ، فلن تشهد المدينة وليدا ومنه أبدا ....
فلما أهل عبد الله بن الزبير كان وسيلة دمغ بها القدر إفك يهود المدينة وأبطل بها كيدهم وما يقترون ...!!!

o شباب عبد الله بن الزبير:
إن عبد الله بن الزبير لم يبلغ مبلغ الرجال فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه تلقى من ذلك العهد ، ومن الرسول نفسه كل خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ....
لقد راح الطفل ينمو نموا سريعا وكان خارقا فى حيويته وفطنته وصلابته ...وارتدى مرحلة الشباب فكان شبابه طهرا وعفة ونسكا وبطولة تفوق الخيال ....
وفى فتح إفريقيا والأندلس والقسطنطينية كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين من عمرة بطلا من أبطال الفتوح الخالدين ... على إن بطولته فى القتال كانت برغم تفوقها وإعجازها كانت تتوارى أمام بطولته فى العبادة ...
فلا حسبه ولا شبابه ولا مكانته ورفعته ولا أمواله ولا قوته ..... لا شيء من ذلك كله استطاع أن يحول بين عبد الله بن الزبير وبين أن يكون العابد الذي يصوم يومه ويقوم ليله ويخشع لله خشوع يبهر الألباب ...
إن الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة عبد الله بن الزبير لشيء يشبه الأسطورة فهو فى صيامه وفى صلاته وفى حجه وفى علو همته وشرف نفسه وفى سهرة الليل طوال عمره قانتا وعابدا وفى ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا وفى إيمانه الوثيق بالله وفى خشيته الدائمة له ....... هو فى كل هذا نسيج وحدة ..!!!!
وهو فى قوة خلقة وثبات سجاياه يزرى بثبات الجبال ...
واضح ، شريف ، قوى ، على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته وثبات نهجه ...

ولقد كان صموده فى وجه " معاوية " وابنه " يزيد " بطولة خارقة حقا .... فقد كان يرى إن " يزيد بن معاوية بن أبى سفيان " أخر رجل يصلح لخلافة المسلمين ، وهو محق فى رأيه فيزيد هذا كان فاسدا فى كل شيء لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها لنا التاريخ ...
فكيف يبايعه بن الزبير ؟؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادمة لمعاوية وهو حي ...
وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار الخليفة . وأرسل إلى ابن الزبير يتوعده بشر المصير ...
هنالك قال بن الزبير : " لا أبايع السكير أبدا "
وظل بن الزبير أميرا للمؤمنين ، متخذا من مكة المكرمة عاصمة لخلافته باسطا حكمه على الحجاز واليمن والبصرة والكوفة وخراسان والشام كلها عدا دمشق بعد أن بايعه أهل هذه الأمصار جميعا .....
ولكن الأمويين لا يقر قرارهم ولا يهدأ بالهم فيشنون عليه حروبا موصولة يبوءون فى أكثرها بالهزيمة والخذلان .

حتى جاء عهد " عبد الله بن مروان " وندب لمهاجمة عبد الله فى مكة واحد من أشقى بني أدم وأكثرهم إيغالا فى القسوة والإجرام وهو الحجاج الثقفي .
ذهب الحجاج على رأس جيشه لغزو مكة عاصمة الزبير وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير وحيدا بلا جيش ولا أعوان .
وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون ووجد عبد الله نفسه وحيدا وراح يقاتل الحجاج وجيشه فى شجاعة أسطورية وهو يومئذ فى السبعين من عمره .
ولن نبصر صورة أمينة لذلك الموقف الفذ إلا إذا أصغينا للحوار الذي دار بين عبد الله وأمه " أسماء بنت أبي بكر " فى تلك الساعات الأخيرة من حياته .
لقد ذهب إليها ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه وللمصير الذي بدا واضحا أنه ينتظره .
قالت له أسماء رضي الله عنها " أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق وتدعو إلى حق فاصبر حتى تموت فى سبيله ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية .....
وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت كم قٌتل معك "
قال عبد الله :" والله ياأماه ما أردت الدنيا ولا ركنت إليها وما جٌرت فى حكم الله أبدا ولا قتلت ولا غدرت "
قالت أمه أسماء :" إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبقني إلى الله أو سبقتك . اللهم ارحم طول قيامه فى الليل وظمأه فى الهواجر وبره بأبيه وبي "

o استشهاد عبد الله بن الزبير:
وبعد ساعة من الزمان انقضت فى قتال مرير غير متكافئ تلقى فيه الشهيد العظيم ضربة الموت وقام الحجاج بصلب الجثمان الهامد تشفيا وخسة .
وقامت أمه لترى ولدها وكالطود الشامخ وقفت تجاهه واقترب الحجاج منها فى هوان وذلة قائلا لها :
" يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الله بن مروان قد أوصاني بك خيرا !!!"
فصاحت به قائلة " لست لك بأم إنما أنا أم هذا المصلوب على الثنية وما بي إليكم حاجة ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"يخرج من ثقيف كذاب ومٌبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المٌبير فلا أراه إلا أنت "
وبعد فهل كان يمكن لعبد الله أن يحيا حياته دون هذا المستوى البعيد من التفوق ، والبطولة والصلاح وقد كان له أم من هذا الطراز ؟؟؟؟
سلام على عبد الله .......
سلام على أسماء .........
سلام عليهما فى الشهداء الخالدين .
سلام عليهما فى الأبرار الصالحين .
 

سعد بن معاز

سعد بن معاز
فى العام الواحد والثلاثين من عمره أسلم .......
وفى السابع والثلاثين مات شهيداً ...
وبين يوم إسلامه ، ويوم وفاته ، قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياماً شاهقة فى خدمة الله ورسوله ...
انظروا .! أترون هذا الرجل الوسيم ، الجليل ، الفار الطول ، المشرق الوجه ....؟؟
إنه هو ... يقطع الأرض وثبا وركضا إلى دار " أسعد بن زُراره " ليرى هذا الرجل الوافد من مكة " مصعب بن عمير " الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يبشر فيها بالتوحيد والإسلام ....
ولكنه لا يكاد يقترب من دار " أسعد بن زُراره " حتى ينتعش فؤاده بنسمات حلوة هبت عليه هبوب العافية ....
ولا يكاد يبلغ الجالسين ، ويأخذ مكانه بينهم مُلقياً سمعه إلى كلمات مصعب حتى تكون هداية الله قد أضاءت نفسه وروحه ....
أسلم سعد .... وحمل تبعات إسلامه فى بطولة وعظمة .
وعندما هاجر رسول الله وصحبه إلى المدينة كانت دور بني عبد الأشهل – قبيلة سعد – مفتحة الأبواب للمهاجرين وكانت أموالهم كلها تحت تصرفهم من غير مَنً ولا أذى ..!!!
***********
وتجيء غزوة بدر ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار ليشاورهم فى الأمر ، وييمم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول :" أشيروا على أيها الناس "
وينهض سعد قائما كالعلم يقول :" يارسول الله ...
لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك ، ووالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوك غداً ، إنا لصبر فى الحرب ، وصدق فى اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينيك فسر بنا على بركة الله ."
أهلت كلمات سعد كالبشريات وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة فقال للمسلمين : " سيروا وابشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ... والله ... لكأني انظر إلى مصارع القوم "
***********
وفى غزوة " أحد " وعندما تشتت المسلمون تحت وقع المباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين ، لم تكن العين لتخطيء مكان سعد ، لقد سمر قدميه فى الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يذود عنه ويدافع عنه فى استبسال هو له أهل وجدير به .
***********
وجاءت غزوة الخندق لتتجلى رجولة سعد وبطولته تجليا باهرا ومجيدا ..
وغزوة الخندق هذه ، آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة التي كان المسلمون يطاردون بها من غير هوادة ، من خصوم لا يعرفون فى خصومتهم عدلا ولا ذمة .
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة فى سلام يعبدون ربهم ، ويتواصون بطاعته ، ويرجون أن تكف قريش عن إغارتها وحربها ، إذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة إلى مكة محرضين قريش على رسول الله وباذلين لها الوعود العهود على أن يقفوا بجانب القرشيين إذا هم خرجوا لقتال المسلمين ...
واتفقوا مع المشركين فعلا ووضعوا معا خطة القتال والغزو ...
وفى طريقهم وهم راجعون إلى المدينة حرضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب ، هى قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الانضمام لجيش قريش ...
ووضعت خطة الحرب ووزعت أدوارها .... فقريش وغطفان يهاجمان المدينة بجيش عرمرم كبير واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها فى الوقت التي يباغتها فيه الجيش المهاجم .
ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعد لهذه العدة .. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين .
وأرسل سعد بن معاز وسعد بن عبادة إلى كعب بن أسد زعيم يهود بني قريظة ليتبينا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة ، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق .
فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا به يقول لهم :
" ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد " ***********
عز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك ففكر فى أن يعزل غطفان عن قريش ، فينقص الجيش المهاجم نصف عدده ، ونصف قوته وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم من هذه الحرب ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة ورضي قادة غطفان ولم يبق إلا أن يسجل الاتفاق فى وثيقة ممهورة .
وعند هذا المدى من المحاولة وقف الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر فدعا إليه أصحابه – رضي الله عنهم – ليشاورهم ..
واهتم – عليه الصلاة والسلام – اهتماما خاصا برأي سعد بن معاز وسعد بن عبادة فهما زعيما المدينة ، وهما بهذا أصحاب حق أول فى مناقشة هذا الأمر واختيار موقف تجاهه

قص الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان .. وأنبأهما أنه إنما لجأ لهذه المحاولة ، رغبة منه فى أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير ، والحصار الرهيب ..
وتقدم السعدان إلى رسول الله بهذا السؤال : " يارسول الله أهذا رأي تختاره ، أم وحي أمرك الله به " ؟؟
قال الرسول " بل أمر أختاره لكم والله ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما "
وأحس سعد بن معاز أن أقدارهم كرجال وكمؤمنين تواجه امتحانا ، أي امتحان .
هنالك قال : " يارسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا ثمرة ألا قرى ( أي كرما وضيافة ) أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ..؟؟؟
والله ما لنا بهذا من حاجة ، ووالله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم "
وعلى الفور عدل الرسول عن رأيه وأنبأ زعماء (غطفان) أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة وأنه أقر رأيهم والتزم به .
***********
وبعد أيام شهدت المدينة حصاراً رهيبا وذلك بسبب الخندق التي حفر حولها ليكون لها وقاية ، ولبس المسلمون لباس الحرب .
وخرج سعد حاملاً سيفه ورمحه وفى إحدى الجولات تلقت ذراع سعد سهماً وبيلاً ، قذفه به أحد المشركين ، وتفجر الدم من وريده وأسعف سريعا إسعافا مؤقتا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إلى المسجد وحمل المسلمين فتاهم العظيم إلى مكانه فى مسجد الرسول ورفع سعد بصره شطر السماء وقال : " اللهم إن كنت أبقيت من الحرب قريش شيئاً فأبقني لها .. فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم أذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة "
ولقد استجاب الله دعاءه فكانت إصابته هذه طريقه إلى الشهادة ، إذ لقي ربه بعد شهر متأثرا بجراحه .
ولكنه لم يمت حتى شفا صدرا من بني قريظة .
ويقول " أبو سعيد الخدري " رضي الله عنه
" كنت ممن حفروا لسعد قبره وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب شممنا ريح المسك حتى انتهينا إلى اللحد "
وكان مصاب المسلمين فى سعد عظيما ، ولكن عزائهم كان جليلاً حين سمعوا رسولهم الكريم يقول :" لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاز "

أبو عبيدة بن الجراح

أبو عبيدة بن الجراح 
( أمين هذه الأمة ) 
من هذا الذي امسك الرسول صلى الله عليه وسلم بيمينة وقال عنه : " إن لكل أمة أمينا وأن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراج " .. ؟؟؟
من هذا الذي أرسله النبي فى غزوة ذات السلاسل مددا لعمرو بن العاص وجعل أميرا على جيش فيه ابو بكر وعمر ..؟؟؟
من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بـ ( أمير الأمراء ) .. ؟؟
أجل من هذا الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاي وهو يجود بأنفاسة :" لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فإن سألنى ربي عنه قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسوله " .. ؟؟
إنه أبو عبيدة .." عامر بن عبد الله بن الجراح "..
أسلم على يد أبى بكر الصديق فى الأيام الأولى للإسلام ، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة فى الهجرة الثانية ثم عاد منها ليقف إلى جوار رسوله فى بدر وأحد وبقية المشاهد جميعها ثم ليواصل سيره القوي الامين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فى صحبة خليفته أبي بكر ثم فى صحبة أمير المؤمنين عمر ، نابذا الدنيا وراء ظهره ، مستقبلا تبعات دينه فى زهد وتقوى وصمود وامانة .
**********
عندما بايع " أبو عبيدة " الرسول صلى الله عليه وسلم على أن ينفق حياته فى سبيل الله كان مدركا تمام الإدراك ما تعنية هذه الكلمات الثلاث – فى سبيل الله – وكان على أتم الاستعداد أن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وعطاء ..
ولما وفى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب رأى الرسول فى مسلك ضميرة ومسلك حياته ما جعلة أهلا لهذا اللقب الجميل الذي افاءة عليه وأهداه إليه ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراج "

**********
إن أمانة أبي عبيدة على مسئولياته لهى أبرز خصاله ففى غزوة أحد أحس من سير المعركة حرص المشركين لا على إحراز النصر فى الحرب بل قبل ذلك ودون ذلك على اغتيال حياة الرسول العظيم فاتفق من نفسه على أن يظل مكانه فى المعركة قريبا من مكان الرسول ، ومضى يضرب بسيفة الأمين مثله فى جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله ..
وكلما استدرجته ظروف القتال وضرورات الحرب بعيدا عن رسول الله قاتل وعيناه لا تسيران فى اتجاه ضرباته .. بل هما متجهان دوما فى اتجاه الرسول ترقبانه فى حرص وقلق ..
وفى أحدى جولاته تلك ، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المقاتلين وكانت عيناه كعادتهما تحدقان كعيني الصقر فى موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه إذ رأى سهما ينطلق من يد مشركة فيصيب النبي وعمل سيفة فى الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف حتى فرقهم عنه وطار صوب الرسول فرأى دمة دمه الزكي يسيل على وجهه ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول : " كيف يفلح قوم خطبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم " ؟؟؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلتا فى وجنتي النبي ، فلم يطق صبرا واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة النبي فسقطت ثنية ثم نزع الحلقة الأخرى فسقطت ثنية أخرى ...
وأيام اتسعت مسئوليات الصحابة وعظمت كان أبو عبيدة فى مستواها دوما بصدقه وبأمانته ....
فإذا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم فى غزوة " الخبط " أميرا على ثلثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين ، وليس معهم من زاد سوى جراب تمر .. والمهمة صعبة والسفر بعيد ، استقبل أبو عبيدة واجبه فى تفان وغبطة وراح هو وجنودة يقطعون الأرض وزاد كل واحد منهم طوال يومه حفنة من التمر حتى إذا أوشك التمر أن ينتهى يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة فى اليوم حتى إذا فرغ التمر راحوا يتصيدون الخبط أى ورق الشجر بقسيهم فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ومن أجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة " الخبط " ...
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التر اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ..!!!

**********
لقد احب الرسول عليه الصلاه والسلام أمين الامة أبا عبيدة كثيرا وآثره كثيرا .. ويوم جاءه وفد نجران من اليمن مسلمين وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والإسلام قال لهم الرسول : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين حق أمين "
وسمع الصحابة هذا الثناء من الرسول فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع عليه اختيار الرسول فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه ...
وكما عاش أبو عبيدة بن الجراح أمينا مع الرسول صلى الله عليه وسلم عاش بعد وفاة الرسول أمينا ...
ولقد سار تحت راية الإسلام أنى سارت – جنديا ، كأنه بفضلة وبإقدامه الأمير ... أميرا – كأنه بتواضعه وإخلاصه واحدا من عامة المقاتلين ...
وعندما كان خالد بن الوليد يقود جيوش الإسلام فى إحدى المعارك الفاصلة الكبرى واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبى عبيدة مكان خالد ..
ولم يكد أبي عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد حتى استكتمة الخبر وكتمه هو فى نفسه طاويا عليه صدر زاهد فطن أمين حتى أتم القائد خالد فتحه العظيم ...
وآنئذ تقدم إليه فى أدب جليل بكتاب عمر بن الخطاب ويسأله خالد : " يرحمك الله يا أبا عبيدة .. ما منعك أن تخبرنى حين جاءك الكتاب ؟"...
فيجيبه أمين الأمة " إنى كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا فى الله إخوة " ..!!!

**********
ويصبح أبو عبيدة – أمير الأمراء – بالشام ويصير تحت إمارته أكثر جيوش الإسلام طولا وعرضا .. عتادا وعددا ..
فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين وفردا عاديا من المسلمين وحين ترمى إلى مسامعه حديث أهل الشام عنه وانبهارهم به جمعهم وقام فيهم خطيبا ...فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته وعظمته وأمانته : " يا أيها الناس ... إنى مسلم من قريش وما منكم من أحد ، أحمر أو أسود يفضلنى بتقوى إلا وددت أنى فى إهابه " ....!!
حياك الله ياأبا عبيدة وحيا الله دينا أنجبك ورسولا علمك
مسلم من قريس لا أكثر ولا أقل
الدين : الإسلام
والقبيلة : قريش
هذه لا غير هويته ..
أما هو كأمير للأمراء وقائد لأكثر جيوش الإسلام عددا واشدها بأسا وأعظمها فوزا ....
أما هو حاكم لبلاد الشام وأمره مطاع ومشيئته نافذه ...
كل ذلك ومثله معه لا ينال من انتباهه لفته وليس له فى تقديره حساب .. أى حساب .. !!

**********
وذات يوم وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج – فى المدينة – شئون عالمه المسلم الواسع جاءه الناعى أن قد مات أبو عبيدة وأسبل الفاروق جفنيه على عيني عصتا بالدموع وغاض الدمع ففتح عينيه فى إستسلام ، وترحم على صاحبه واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه فى حنان صابر وأعاد مقالته عنه : " لو كنت متمنيا ، ما تمنيت إلا بيتا مملوء برجال من أمثال أبي عبيدة " ....
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس واضطهاد الرومان ..

**********
 

عمار بن ياسر

عمار بن ياسر 
رجل من الجنة:-
و كان هناك أناس يولدون فى الجنة ثم يشبون فى رحابها ويكبرون ثم يجاء بهم إلى الأرض ليكونوا زينة لها ونورا لكان " عمارا " وأمه " سمية " ، وأبوه " ياسر " من هؤلاء .
ولكن لماذا نقول : لو ... ولماذا نفترض هذا الإفتراض ، وقد كان آل ياسر من أهل الجنه فعلا ..؟؟؟
وما كان الرسول عليه الصلاة والسلام مواسيا لهم فحسب حين قال : ( صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة ) ..بل كان يقرر حقيقة يعرفها ويؤكد واقعا يبصره ويراه .
خرج ياسر بن عامر والد " عمار " من بلدة فى اليمن يطلب أخا له ويبحث عنه ، وفى مكة طاب له المقام فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة ، وزوجه أبو حذيفة إحدى إمائه "سمية بنت خياط" ، ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الأبوين "عمارا" وكان إسلامهم مبكرا شأن الأبرار الذين هذاهم الله وشأن الأبرار المبكرين أيضا أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريس وأهوالها .
ووكل أمر تعذيبهم إلى بني المخزوم يخرجون بهم جميعا ... ياسر وسمية وعمارا كل يوم إلى رمضاء مكة الملتهبة ويصبون عليهم من جحيم العذاب ألوانا وفنونا .
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج كل يوم حيث علم أن آل ياسر يعذبون محييا صمودهم وبطولتهم وكان قلبه الكبير يذوب رحمة وحنانا لمشهدهم وهم يتلقون من العذاب ما لا طاقة لهم به .
وذات يوم وهو يعودهم ناداه عمار : " يارسول الله .. بلغ منا العذاب كل مبلغ "
فناداه الرسول : " صبرا أبا اليقظان .. صبرا آل ياسر ، فإن موعدك الجنة "
على أن هذا الهول كله لم يكن ليفدح روح عمار وإن فدح ظهره ودغدغ قواه ...
ولم يشعر عمار بالهلاك حقا إلا فى ذلك اليوم الذي استنجد فيه جلادوه بكل عبقريتهم فى الجريمة والبغي .. فمن الكي بالنار إلى صلبه على الرمضاء المستعره تحت الحجارة الملتهبة .. إلى غطة فى الماء حتى تختنق أنفاسه وتتسلخ قروحه وجروحة . فى هذا اليوم إذ فقد وعيه تحت وطأة هذا الهول فقالوا له : اذكر ألهتنا بخير وأخذوا يقولون له وهو يردد وراءهم القول فى غير شعور .
فى ذلك اليوم بعد أن أفاق قليلا من غيبوبة تعذيبه تذكر ما قال فطار صوابه وتجسمت هذه الهفوه أمام نفسه حتى رآها خطيئة لا مغفرة لها ولا كفارة .
ولقى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبة فألفاه يبكي فجعل يمسح دموعه بيده ويقول له : أخذك الكفار وغطوك فى الماء فقلت كذا وكذا ..؟؟؟
أجاب عمار وهو ينتحب : نعم يارسول الله ....
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم : " إن عادوا فقل لهم مثل قولك هذا " ...!!!
ثم تلا عليه الآيه الكريمة ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان )...
واسترد عمار سكينة نفسه ولم يعد يجد للعذاب المنقض على جسده ألما ولم يعد يلقى له بالا
وصمد عمار حتى حل الإعياء بجلاديه وارتدوا أمام إصراره صاغرين .... *************
واستقر المسلمون بالمدينة بعد هجرة سولهم إليهم وأخذ المجتمع الإسلامى هناك يتشكل سريعا ووسط هذه الجماعة المسلمة المؤمنة أخذ عمار مكانا عليا ... كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حبا عظيما ويباهى أصحابه بإيمانه وهديه ...ويقوا عنه صلى الله عليه وسلم :" إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشة" أى ما تحت عظمه
وحين وقع سوء تفاهم عابر بين خالد بن الوليد وبين عمار قال الرسول : " من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ..."
ولم يكن أمام خالد بن الوليد – بطل الإسلام – إلا أن يسارع إلى عمار معتذرا إليه وطامعا فى صفحه الجميل ..!!!
وإذا أحب رسول الله مسلما إلى هذا الحد ، فلابد أن يكون إيمانه وبلاءه وولاءه وعظمة نفسه واستقامة ضميره ونهجه قد بلغت المدى وانتهت إلى ذروة الكمال الميسور ... وكذلكم كان عمار .
لقد كال الله له من نعمته وهداه بالمكيال الأوفى وبلغ فى درجات الهدى واليقين ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يزكى إيمانه ويرفعه بين أصحابه قدوه ومثلا فيقول : " اقتدوا بالذين من بعدى أبي بكر وعمر ... واهتدوا بهدى عمار"
بقد شهد عمار مع معلمه ورسوله جميع المشاهد بدرا وأحد والخندق وتبوك ... وبقيتها جميعا ، ولما ذهب الرسول إلى الرفيق الأعلى واصل العملاق زحفه ففي لقاء المسلمين مع الفرس ومع الروم ومن قبل ذلك فى لقائهم مع جيوش الردة الجرارة كان عمار هناك فى الصف الأول دوما ... جنديا باسلا لا تنبوا لسيفه ضربة ومؤمنا ورعا جليلا لا تاخذه عن الله رغبة ...
وحين كان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يختار ولاة المسلمين فى دقة كانت عيناه تقعان دوما فى ثقة أكيده على عمار بن ياسر ... وهكذا سارع إليه ولاية الكوفة .
ولقد سار عمار فى ولايته سيرا شق على الطامعين فى الدنيا تحمله حتى تألبوا عليه أو كادوا .. ولقد زادته الولايه تواضعا وورعا وزهدا ...
يقول بن أبي الهذيل ، وهو من معاصريه فى الكوفة : " رأيت عمار بن ياسر وهو أمير الكوفة يشترى من قثائها ثم يربطها بحبل ويحملها فوق ظهره ويمضي بها إلى داره " ....!!
ويقول له واحد من العامة وهو أمير الكوفة " ياأجدع الأّن " يعايوه بأذنه التي قطعت بسيوف المرتدين فى حرب اليمامة ... فلا يزيد الأمير الذي بيده السلطه على أن يقول لشاتمه : " خير أذني سببت .. لقد أصيبت فى سبيل الله "
أجل لقد أصيبت فى سبيل الله يوم اليمامة وكان يوما من أيام عمار المجيدة .. إذ انطلق هذا العملاق فى استبسال عاصف يحصد فى جيش مسيلمة الكذاب ويهدي إليه المنايا والدمار ...
وإذ يرى المسلمين قتورا يرسل بين صفوفهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح يامعشر المسلمين أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلى فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعه تتأرجح وهو يقاتل أشد القتال " ... !!!!!
ألا من كان فى شك من عظمة محمد الرسول الصادق والمعلم الكامل فليقف أمام هذه النماذج من أصحابه وليسأل نفسه : هل يقدر على إنجاب مثل هذا الطراز الرفيع سوى رسول كريم ومعلم عظيم ؟؟؟؟"
*************
والآن ونحن نقفوا أثر عمار ونتتبع معالم حياته العظيمة تعالوا نقترب من مشهد عظيم ...
ولكن قبل أن نواجه هذا المشهد فى روعته وجلاله تعالوا نبصر مشهد أخر يسبق هذا المشهد ويتنبأبه ويهيأله .
كان ذلك اثر استقرار المسلمين بالمدينة ، وقد نهض الرسول الأمين وحولة الصحابة الأبرار شعثا لربهم وغبرا يبنون بيته ويقيمون مسجده وقد امتلأت أفئدتهم المؤمنة غبطة وتألقت بشرا وابتهلت حدا لربها وشكرا الجميع يعملون فى حبور وأمل يحملون الحجارة .
إنها خلايا الله تعمل إنهم جنوده يحملون لواءه ويرفعون بناءه .... وعمار هناك وسط المهرجان الحافل يحمل الحجارة الثقيلة ويبصره الرحمة المهداه محمد رسول الله فيأخذه إليه حنان عظيم ويقترب منه وينفض بيده البارة الغبار الذي كسى رأسه ويتأمل وجهه الوديع المؤمن بنظرات ماؤها نور الله ، ثم يقول على ملأ من أصحابه جميعا : " ويح بن سمية ..!!! تقتله الفئه الباغية "
وتتكرر النبوءة مرة أخرى حين يسقط جدار كان يعمل كان يعمل تحته فيظن بعض اخوانه أنه قد مات فيذهب ينعاه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فى طمأنينة وثقة : " ما مات عمار ... تقتل عمار الفئة الباغية "
ومضت الأيام والأعوام .... ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ثم لحق به إلى رضوان الله أبو بكر ثم لحق بهما إلى رضوان اللع عمر ، وولى الخلافة " ذو النورين " عثمان بن عفان .
وكانت المؤامرات ضد الإسلام تعمل عملها المستميت وتحاول ان تربح بالغدر وإثارة الفتن ما خسرته فى الحرب .
وكان مقتل عمر بن الخطاب اول نجاح أحرزته هذه المؤامرات واغراها استشهاد عمر على مواصلة مساعيها فألبت الفتن وايقظتها فى معظم بلاد الإسلام .... ولعل عثمان – رضي الله عنه – لم يعط الأمور ما تستحقة من اهتمام وحذر واستجابة فوقعت الواقعة واستشهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وانفتحت على المسلمين أبواب الفتنة وقام معاويا ينازع الخليفة الجديد عليا كرم الله وجهه حقه فى الأمر وفى الخلافة ..
وتعددت اتجاهات الصحابة فمنهم من نفض يديه من الخلاف ومنهم من انحاز إلى معاوية ومنهم من وقف إلى جوار عليا صاحب البيعة وخليفة المسلمين ..... ولقد وقف عمار إلى جوار علي بن أبي طالب فعلى خليفة المسلمين وصاحب البيعة بالخلافة وقد أخذ الخلافة وهو لها أهل وبها جدير .
وفرح على يومئذ بنصرته وازداد إيمانا أنه على الحق مادام رجل الحق العظيم " عمار " قد أقبل عليه وسار معه .
وجاء يوم صفين الرهيب
وخرج الإمام على يواجه العمل الخطير الذي اعتبره تمردا يحمل هو مسئولية قمعة .... وخرج معه عمار وكان عمار يبلغ من العمر يومئذ ثلاثا وتسعون ...
ثلاث وتسعون عاما ويخرج للقتال .. ؟؟
ويقول أبو عبد الرحمن السلمي : " شهدنا مع على رضي الله عنه ( صفين ) فرأيت عمار بن ياسر رضي الله عنه لا يأخذ فى ناحية من نواحيها ولا واد من اوديتها إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم " .
وكان عمار يجول فى المعركة ويصول ويؤمن أنه واحد من شهدائها وقد كانت نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام تأتلق أمام عينية بحروف كبيرة " تقتل عمار الفئة الباغية "
من أجل هذا كان صوته يجلجل فى أفق المعركة بهذه التغريدة :" اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه "
ولقد حاول رجال معاويةأن يتجنبوا عمار ما استطاعوا حتى لا تقتله سيوفهم فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية ولكن شجاعة عمار الذي كان يقاتل وكأنه جيش وحده أفقدتهم صوابهم فأخذ بعض جنود معاوية يتحينون الفرصة لأصابته حتى إذا تمكنوا منه أصابوه ...
وشاع فى الغداة خبر مقتل عمار وعرف الناس الآن من تكون الفئة الباغية وهو فئة معاوية وازداد أصحاب على بهذا إيمانا ....
أما عمار فقد حمله " على " فوق صدره إلى حيث صلى عليه المسلمون معه ثم دفنه فى ثيابه ..
وحين كان تراب قبره يسوى بين يدي أصحابه فوق جثمانه كانت روحه تعانق مصيرها السعيد هناك فى جنات الخلد التي طال شوقها لعمار .
 

أبو هريرة

أبو هريرة
(ذاكرة عصر الوحي):-


صحيح أن ذكاء المرء محسوب عليه ....
واصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن فى نفس الوقت الذي ينبغى أن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء ، فقد كان ذا موهبة خارقة فى سعة الذاكرة وقوتها ، كان رضي الله عنه يجيد فن الإصغاء وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان ....
يسمع فيعي ويحفظ ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر وتعاقبت الأيام ... ومن أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظاً لأحاديثه وبالتالى أكثرهم رواية لها .
وها هو ذا يتحدث عن نفسه ويقول : " نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ..!!
كنت أخدمهم إذا نزلوا وأحدوا لهم إذا ركبوا ...
وهأنذا وقد زوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وجعل أبا هريرة إماماً ".
قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر . فأسلم راغباً مشتاقا ، ومنذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعة لم يكد يفارقه قط إلا فى ساعات النوم ..
وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً وحدها .. كانت طويلة عريضة ممتلئة بكل صالح من القول والعمل والإصغاء .
أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الإسلام .
إن أبطال الحرب فى الصحابة كثيرون ...
والفقهاء والدعاه والمعلمون كثيرون ....
لكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتاب .
ففى تلك العصور كانت الجماعة الإنسانية كلها لا العرب وحدهم لا يهتمون بالكتابة ولم تكن الكتابة من علامات التقدم فى مجتمع ما .
لم يكن أبو هريرة ممن يكتبون ، ولكنه كان سريع الحفظ قوي الذاكرة ، ولم تكن له أرض يزرعها ولا تجارة تشغلة ، ومن ثم لم يكن يفارق الرسول فى سفر ولا فى حضر .
وهكذا راح يكرس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته .
فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، راح أبو هريرة يحدث ويحدث مما جعل بعض أصحابة يعجبون : أنى له كل هذه الأحاديث ومتى حفظها ووعاها.
وراح أبو هريرة يحدث ويحدث ، لا يصده عن الحديث صاد، حتى قال له عمر يوماً وهو أمير المؤمنين :
" لتتركن الحديث عن رسول الله ، او لألحقنك بأرض دوس "
على إن هذا النهى من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاماً لأبى هريرة بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبناها ويؤكدها تلك هى ، إن على المسلمين فى تلك الفترة بالذات ألا يقرأول وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقر ويثبت فى الأفئده والعقول .
فالقرآن كتاب الإسلام ودستوره وقاموسه وكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما فى تلك السنوات التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام ، والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها
وكان القرآن جمع بطرية مضمونة دن أن يتسرب إليه ما ليس منه ..
أما الأحاديث فليس يضمن عمر أن تحرف أو تزيف .
زكان أبو هريرة يقدر وجهة نظر عمر ولكنه أيضاً كان واثقا من نفسه ومن أمانته ، وكان لا يريد أن يكتم من العلم والحديث ما يعتقد إن كتمانه إثم وبوار .
ألا إن هناك سببا هاماً كان له دور كبير فى إثارة المتاعب حول إبى هريرة لكثرة تحدثة وحديثة ، ذلك أنه كان هناك يومئذ محدث أخر يحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف ولم يكن المسلمون الصحابة يطمئنون كثيرا لحديثة ذلك هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم .
وأراد مروان بن الحكم يوماً أن يبلوا مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه إليه أجلسه معه ، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حين أجلس كاتبه وراء حجاب وأمره ان يكتب كل ما يقوله أبو هريرة ...
وبعد مرور عام ، دعاه مروان مرة أخرى وأخذ يستقرأه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها ، فما نسى أبو هريرة كلمة منها !!!
وقال عنه الإمام الشافعي رصي الله عنه : " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى عصره .
وكان أبو هريرة من العابدين الأوابين يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ، فيقوم هو ثلثه وتقوم زوجته ثلثه وتقوم ابنته ثلثه ... وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفى بيت أبي هريرة عباده وذكر وصلاة !!!
وعاش أبو هريرة عابدا ومجاهدا ... لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة .
وفى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته .
وحين ولى أبو هريرة البحرين ادخر مالاً من مصادره الحلال وعلم عمر فدعاه إلى المدينة ولندع أبو هريرة يروى ما جرى بينهما من حوار سريع :
" قال لى عمر : ياعدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله ..!!
قلت : ما أنا بعدو الله وعدو كتابة ... لكنى عدو من عاداهما ...
ولا أنا من يسرق مال الله ...!
قال : فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ... !
قلت : خيل لى تناسلت وعطايا تلاحقت ...
قال عمر : فادفعها إلى بيت مال المسلمين "
ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال " اللهم اغفر لأمير المؤمنين "
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة وعرض عليه الولاية من جديد فأباها واعتذر عنها .
قال له عمر : ولماذا ؟؟
قا ل أبو هريرة حتى لا يشتم عرضي ويؤخد مالي ويضرب ظهرى ....
ثم قال : وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم .
وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله ..
وبينما كان عواده يدعون له بالشفاء من مرضه كان هو يلح على الله قائلا :
" اللهم إنى أحب لقائك فإحب لقائي "
وعن 78 سنة فى العام 59 من الهجرة وبين ساكني البقيع الأبرار تبوأجثمانه الوديع مكاناً مباركا . وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسول الله الكريم ..
ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله : " لماذا كني شيخنا الراحل بأبي هريرة ؟؟؟
فيجيبة صاحبه وهو بالأمر خبير :
" لقد كان أسمة فى الجاهلية عبد شمس ولما أسلم سماه الرسول عبد الرحمن ولقد كان عطوفا على الحيوان وكانت له هرة يطعمها ويحملها وينظفها ويؤويها وكانت تلازمة ظله .
وهكذا دعى أبا هريرة رضى الله عنه وأرضاه .......

أبو أيوب الأنصارى

أبو أيوب الأنصارى
(انفروا خفافا وثقالا):-
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل المدينة مختتماً بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة ، ومستهلاً أيامة المباركة فى دار الهجرة التى ادخر القدر لها ما لم يدخره لمثلها فى دنيا الناس ..
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة ، ومحبة وشوقاً .. ممتطياً ظهر ناقته التى تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف الرسول عليه الصلاة والسلام ..
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف فاعترضوا طريق الناقة قائلين :
" يارسول الله أقم عندنا فلدينا العدد والعدة والمنعة "
ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة " خلوا سبيلها فإنها مأمورة "
لقد ترك النبي للمقادير اختيار مكان نزولة حيث سيكون لهذا المنزل خطره وجلاله ..
ففوق أرضة سينهض المسجد الذي تنطلق منه إلى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره وإلى جواره ستقوم حجرة أو حجرات سيسكنها معلم ورسول جاء الحياة لينفخ فى روحها الهامد .
أجل كان الرسول صلى الله عليه وسلم ممعناً فى ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه .
وأمام دار " بني مالك بن النجار " بركت الناقة .. ثم نهضت وطوفت بالمكان ثم عادت إلى مبركها الأول ونزل الرسول عنها متفائلاً مستبشراً .
وتقدم أحد المسلمين وقد تبلج وجهه فرحاً وغبطة .... أتدرون من كان هذا السعيد الموعود الذي بركت الناقة أمام دارة وسار الرسول ضيفه ... إنه بطل حديثنا هذا .. أبو أيوب الأنصارى – خالد بن زيد حفيد مالك بن النجار .
لم يكن هذا أول لقاء لأبي أيوب مع رسول الله ... فمن قبل وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول فى مكة تلك البيعة المباركة المعروفة بـ " بيعة العقبة الثانية " كان أبو أيوب الأنصارى بين السبعين مؤمناً الذين شدوا أيمانهم على يمين الريول مبايعين مناصرين .
والآن يشرف رسول الله المدينة ويتخذها عاصمة لدين الله ، فإن الحظوظ الوافية لأبي أيوب جعلت من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم والرسول الكريم .
ولقد آثر الرسول أن ينزل فى دورها الأول .. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد غرفته فى الدور العلوى حتى أخذته الرجفة ، ولم يستطع أن يتصور نفسه قائماً أو نائماً فى مكان أعلى من المكان الذى يقوم فيه رسول الله وينام .
وراح يلح على النبي ويرجوه أن ينتقل إلى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبي لرجائه، ولسوف يمكث النبي بها حتى يتم المسجد وبناء حجرة له بجواره ...
ومنذ أن بدأت قريش تتنمر للإسلام وتشن إغاراتها على دار الهجرة بالمدينة منذ تلك البداية احترف أبو أيوب صناعة الجهاد فى سبيل الله ...
ففى بدر وأحد والخندق وفى كل المشاهد والمغازى كان البطل هناك بائعاً نفسه وماله لله رب العالمين .
وبعد وفاة الرسول لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها مهما يكن بعد الشقة وفداحة المشقة ...
وكان شعاره الذي يردده دائما ، فى ليله ونهاره .. فى جهره وسره قول الله تعالى :
" انفروا خفافاً وثقالاً "
مرة واحدة تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحداً من الشباب المسلمين لم يقتنع أبو أيوب بإمارته ...
مرة واحدة لا غير .. ومع هذا فإن الندم على موقفة هذا ظل يزلزل نفسه ويقول :
" ما على من استعمل على " ..؟؟؟؟
ثم لم يفته بعد ذلك قتال !!!
ولما وقع الخلاف بين على ومعاوية وقف مع " على " فى غير تردد لأنه الإمام الذي أعطى بيعة المسلمين ولما استشهد وانتهت الخلافة إلى معاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهده ، الصامدة ، التقية ، لا يرجو من الدنيا سوى أن يظل له مكان فوق أرض الوغى ، وبين صفوف المجاهدين .
وهكذا لم يكد يبصر جيش الإسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه وحمل سيفه وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حن إليه واشتاق ..!!
وفى هذه المعركة أصيب .
وذهب قائد الجيش يعوده ، وكانت أنفاسه تسابق أشواقة إلى لقاء الله فسأله القائد وكان " يزيد بن معاوية " : ما حاجتك أبا أيوب ؟
ترى هل فينا من يستطيع أن يتصور أو يتخيل ماذا كانت حاجة أبا أيوب ...؟؟؟
فقد طلب من يزيد إذا هو مات إن يحمل جثمانه فوق فرسه ويمضي به أطول مسافة ممكنة فى أرض العدو وهنالك يدفنه ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق جتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره فيدرك آنئذ انهم قد أدركوا ما يبغون من نصر وفوز ...!!
ولقد أنجز يزيد وصية أبي أيوب
وفى قلب القسطنطينية – وهى اليوم استامبول – ثوى جثمان رجل عظيم ، جد عظيم .
وإنه اليوم لثاوٍ هناك ، لا يسمع صلصلة السيوف ولا صهيل الخيول ...
لكنه يسمع كل يوم من صبحه إلى مسائه روعة الآذان المنطلق من المآذن المشرعة فى الافق
أن : الله أكبر
الله أكبر
وتجيب روحه المغتبطة فى دار خلدها وسنا مجدها :
هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله ....

طلحة بن عبيد الله

طلحة بن عبيد الله
صقر يوم أحد:-
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, وما بدّلوا تبديلا)...
تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة, ثم استقبل وجوه أصحابه, وقال وهو يشير الى طلحة:
" من سرّه أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض, وقد قضى نحبه, فلينظر الى طلحة"..!!
ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله, وتطير قلوبهم شوقا اليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله..
لقد اطمأن اذن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا, ويموت, وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة, ولن يدركه لغوب..
ولقد بشّره الرسول بالجنة, فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم..؟؟
******************
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها, وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم, والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة أن يفوته موكبه, فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..
وحين عاد طلحة الى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر, الفى بين أهلها ضجيجا.. وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم, أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه.. وعن الرسالة التي يحملها الى العرب خاصة, والى الناس كافة..
وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد, وأنه يقف الى جوار محمد مؤمنا منافحا, أوّابا..
وحدّث طلحة نفسه: محمد, وأبو بكر..؟؟
تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!
ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره, وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله, ويقول: أنه أرسلني وأرسل اليّ وحيا..؟؟
وهذا هو الذي يصعب تصديقه..
وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..
ولم يطل الحديث بينهما, فقد كان شوقه الى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..
فصحبه أبو بكر الى الرسول عليه الصلاة والسلام, حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..
وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.
******************
وعلى الرغم من جاهه في قومه, وثرائه العريض, وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش, اذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد, وكان يدعى أسد قريش, بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه, اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها, وخافت عاقبة أمرها..
وهاجر طلحة الى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة, ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, عدا غزوة بدر, فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..
ولما أنجزاها ورجعا قافلين الى المدينة, كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر, فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..
بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة, حين انبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما, بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..
وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بانزال هزيمة نهائية بالمسلمين, هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا, وقدرا مقدورا..!!
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..
ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم, ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة, فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه, وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..
وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية, فسارع نحو الرسول..
وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم ويتحامل على نفسه, فجنّ جنونه, وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه, وتحيط به تريد أن تناله بسوء..
ووقف طلحة كالجيش اللجب, يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..
ورأى دم الرسول الكريم ينزف, وآلامه تئن, فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره, متأخرا به الى مكان آمن, بينما بيمينه, بارك الله يمينه, تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول, وملؤا دائرة القتال مثل الجراد..!!
ولندع الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..
تقول عائشة رضي الله عنها:
" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم اخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .  

 وفي جميع المشاهد والغزوات, كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله, ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة, يعبد الله مع العابدين, ويجاهد في سبيله مع المجاهدين, ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..
فاذا قضى حق ربه, راح يضرب في الأرض, ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة, وأعماله الناجحة.
فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء, وأنماهم ثروة..
وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته...
كان ينفق منها بغير حساب..
وكان الله ينمّيها له بغير حساب!
لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ طلحة الخير, وطلحة الجود, وطلحة الفيّاض اطراء لجوده المفيض.
وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة, فاذا الله الكريم يردها اليه مضاعفة.
تحدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:
" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما, فسألته ما شانك..؟
فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمّني وأكربني..
وقلت له ما عليك.. اقسمه..
فقام ودعا الناس, واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"...
ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع, ونظر الى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:
" ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرق من أمر, لمغرور بالله"...
ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه, ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها, حتى أسحر وما عنده منها درهم..!!
ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:
" ما رأيت أحد اعطى لجزيل مال من غير مسألة, من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه, فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..
وقد قيل عنه في ذلك:
".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مؤنته, ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم, ويخدم عائلهم, ويقضي دين غارمهم"..
ويقول السائب بن زيد:
" صحبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا, أعمّ سخاء على الدرهم, والثوب والطعام من طلحة"..!!
وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه..
ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان, ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير واصلاح..
أكان بموقفه هذا, يدعو الى قتل عثمان, أو يرضى به..؟؟ كلا...
ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا, ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..
نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى الى هذا المأزق والمنتهى لقاومها, ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير, لا أكثر..
على أن موقف طلحة هذا, تحوّل الى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل, فلم يكد الامام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير, حتى استأذن الاثنان في الخروج الى مكة للعمرة..
ومن مكة توجها الى البصرة, حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان..
وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان, والفريق الذي يناصر عليّا..
وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الاسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة, تنتفض همومه, وتهطل دموعه, ويعلو نشيجه..!!
لقد اضطر الى المأزق الوعر..
فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع, وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة, أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..
وحين ينهض لقمع تمرّد من هذ النوع, فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه, وأتباع رسوله ودينه, أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك, وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم, وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين..
فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟
وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق, وصون دماء المسلمين لم يترك الامام علي وسيلة الا توسّل بها, ولا رجاء الا تعلق به.
ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الاسلام, وما أكثرها, والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة, أيام عاهلها العظيم عمر, هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة, وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها...
******************
بكى عليّ بكاء غزيرا, عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..
وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير, حوراييّ رسول الله..
فنادى طلحة والزبير ليخرجا اليه, فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..
فقال لطلحة:
" يا طلحة, أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟
ثم قال للزبير:
" يا زبير, نشدتك الله, أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا, فقال لك: يا زبير, ألا تحبّ عليّا..؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي, وابن عمي, ومن هو على ديني..؟؟
فقال لك: يا زبير, أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!
قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن, وكنت قد نسيته, والله لا أقاتلك..
وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..
أقلعا فور تبيّنهما الأمر, وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ, تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار:
" تقتلك الفئة الباغية"..
فان قتل عمّار اذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة, فسيكون طلحة باغيا...
******************
انسحب طلحة والزبير من القتال, ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما, ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..
أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!
وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..
******************
كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة, حتى صار عقدة حياته..
كل هذا, مع أنه لم يشترك بالقتل, ولم يحرّض عليه, وانما ناصر المعارضة ضدّه, يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..
وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان, كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..
وكان قبل بدء المعركة يدعو ويضرع بصوت تخنقه الدموع, ويقول:
" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..
فلما واجهه عليّ هو والزبير, أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما, فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..
بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون..
ألم يقل الرسول عنه:
" هذا ممن قضى نحبه, ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض, فلينظر الى طلحة"..؟؟
لقي الشهيد اذن مصيره المقدور والكبير, وانتهت وقعة الجمل.
وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة الى البيت الحرام فالمدينة, نافضة يديها من هذا الصراع, وزوّدها الامام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..
وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا, الذين كانوا معه, والذين كانوا ضدّه..
ولما فرغ من دفن طلحة, والزبير, وقف يودعهما بكلمات جليلة, اختتمها قائلا:
" اني لأرجو أن أكون أنا, وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما صدورهم من غلّ اخوانا على سرر متقابلين)"..
ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:
" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" طلحة والزبير, جاراي في الجنّة"...

عبد الله بن رواحة

 عبد الله بن رواحة

يا نفس, إلا تُقُتَلِي تموتي
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة, يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى, كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء, حملة الاسلام الى المدينة, والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله, والاسلام..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية, كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها, كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه, وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها, والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة, فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة, أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته, وشلّت حركة دهائه..!!
وكان ابن رواحة رضي الله عنه, كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..
وكان شاعرا, ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
ومنذ أسلم, وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
جلس عليه السلام يوما مع أصحابه, وأقبل عبدالله بن رواحة, فسأله النبي:
" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟؟
فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد:
يا هاشم الخير ان الله فضّلكم
على البريّة فضلا ما له غير
اني تفرّست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو
في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا
فثّبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فسرّ الرسول ورضي وقال له:
" واياك, فثّبت الله"..
وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء
كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:
يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا
ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة ألبنا
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
وحزن الشاعر المكثر, حين تنزل الآية الكريمة:
( والشعراء يتبعهم الغاوون)..
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:
( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وذكروا الله كثيرا, وانتصروا من بعد ما ظلموا..) 


 وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه, يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:
" يا نفس الا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:
خلوا بني الكفار عن سبيله
خلوا, فكل الخير في رسوله

*************
وجاءت غزوة مؤتة..
وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء, كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..
ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
وقف ينشد ويقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا
أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أ, طعنة رمح, تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
**********
وتحرّك الجيش الى مؤتة, وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل, اذ رأوا صفوفا لا آخر لها, وأعداد نفوق الحصر والحساب..!!
ونظر المسلمون الى عددهم القليل, فوجموا.. وقال بعضهم:
" فلنبعث الى رسول الله, نخبره بعدد عدوّنا, فامّا أن يمدّنا بالرجال, وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار, وقال لهم:
" يا قوم..
انّا والله, ما نقاتل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..
فانطلقوا.. فانما هي احدى الحسنيين, النصر أو الشهادة"...
وهتف المسلمون الأقلون عددا, الأكثرون ايمانا,..
هتفوا قائلين:
"قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش الى غايته, يلاقي بعدده القليل مائتي ألف, حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
************
والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته, وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب, الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي, كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أما الآن, وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته, فقد بدا أمام ضراوة الروم, وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب, لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..
أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟
يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيدا وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت.
انطلق يعصف بالروم عصفا..
ولولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة, لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله, فصعد شهيدا..
هوى جسده, فصعدت الى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
وتحققت أغلى أمانيه:
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي
يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا
نعم يا ابن رواحة..
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
*************
وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة, يحادثهم ويحادثونه..
وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة, صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:
"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..
وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:
" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها, حتى قتل شهيدا"..
ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل, مطمئن, مشتاق. ثم قال:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
أيّة رحلة مجيدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا الى الغزو معا..
وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة, كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

عثمان بن مظعون

عثمان بن مظعون
راهب صومعته الحياة:
اذا أردت أن ترتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق سبقهم الزمني الى الاسلام فاعلم اذا بلغت الرقم الرابع عشر أن صاحبه هو عثمان بن مظعون..
واعلم كذلك أن ابن مظعون هذا, كان أول المهاجرين وفاة بالمدينة.. كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..
واعلم أخيرا أن هذا الصحابي الجليل الذي تطالع الآن سيرته كان راهبا عظيما.. لا من رهبان الصوامع, بل من رهبان الحياة...!!
أجل.. كانت الحياة بكل جيشانها, ومسؤولياتها, وفضائلها هي صومعته..
وكانت رهبانيته عملا دائبا في سبيل الحق, وتفانيا مثابرا في سبيل الخير والصلاح...  

 ندما كان الاسلام يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى الله عليه عليه وسلم.. ومن كلماته , عليه الصلاة والسلام التي يلقيها في بعض الأسماع سرا وخفية..
كان عثمان بن معظون هناك, وحدا من القلة التي سارعت الى الله والتفت حول رسوله..
ولقد نزل به من الأذى والضر, ما كان ينزل يومئذ بالمؤمنين الصابرين الصامدين..
وحين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القلة المؤمنة المضطهدة بالعافية. آمرا ايّاها بالهجرة الى الحبشة. مؤثرا أن يبقى في مواجهة الأذى وحده, كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين, مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجهه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو الله أبي جهل. وضراوة قريش, وهو عذابها.... 

 كشأن المهاجرين الى الحبشة في كلتا الهجرتين... الأولى والثانية, لم يزدد عثمان بن مظعون رضي الله عنه الا استمساكا بالإسلام. واعتصاما به..
والحق أن هجرتي الحبشة تمثلان ظاهرة فريدة, ومجيدة في قضية الاسلام..
فالذين آمنوا بالرسول صلى الله وصدّقوه, واتبعوا النور الذي أنزل معه, كانوا قد سأموا الوثنية بكل ضلالاتها وجهالاتها, وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو معجونة من صلصال..!!
وحين هاجروا الى الحبشة واجهوا فيها دينا سائدا, ومنظما.. له كنائسه وأحباره ورهبانه..
وهو, مهما تكن نظرتهم اليه, بعيد عن الوثنية التي ألفوها في بلادهم, وعن عبادة الأصنام بشكلها المعروف وطقوسها التي خلفوها وراء ظهورهم..
ولا بدّ أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جهودا لاستمالة هؤلاء المهاجرين لدينهم, واقناعهم بالمسيحية دينا...
ومع هذا كله نرى أولئك المهاجرين يبقون على ولائهم العميق للاسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم.. مترقبين في شوق وقلق, ذلك اليوم القريب الذي يعودون فيه الى بلادهم الحبيبة, ليعبدوا الله وحده, وليأخذوا مكانهم خلف رسولهم العظيم.. في المسجد أيام السلام.. وفي ميدان القتال, اذا اضطرتهم قوى الشرك للقتال..
في الحبشة اذن عاش المهاجرون آمنين مطمئنين.. وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي لم ينس في غربته مكايد ابن عمّه أمية بن خلف, وما ألحقه به وبغيره من أذى وضرّ, فراح يتسلى بهجائه ويتوعده:
تريش نبالا لا يواتيك ريشها
وتبري نبالا, ريشها لك أجمع
وحاربت أقواما مراما أعزة
وأهلكت أقواما بهم كنت تنزع
ستعلم إن نابتك يوما ملمّة
وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع 



وبينما المهاجرون في دار هجرتهم يعبدون الله, ويتدارسون ما معهم من القرآن, ويحملون برغم الغربة توهج روح منقطع النظير.. اذ الأنباء تواتيهم أن قريشا أسلمت لله الواحد القهار..
هنالك حمل المهاجرون أمتعتهم وطاروا الى مكة تسبقهم أشواقهم, ويحدوهم حنينهم..
بيد أنهم ما كادوا يقتربون من مشارفها حتى تبيّنوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش..
وساعتئذ سقط في أيديهم, ورأوا أنهم قد عجلوا.. ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر..!!
وقد سمع مشركو مكة بمقدم الصيد الذي طالما ردوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه.. ثم ها هو ذا الآن, تحيّن فرصته, وتأتي به مقاديره..!!
كان الجوّار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والاجلال, فاذا دخل رجل مستضعف جوار سيّد قرشي, أصبح في حمى منيع لا يهدر له دم, ولا يضطرب منه مأمن...
ولم يكن العائدون سواء في القدرة على الظفر بجوار..
من أجل ذلك ظفر بالجوار منهم قلة, كان من بين أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بم المغيرة.
وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا, ومضى يعبر دروبها, ويشهد ندواتها, لا يسام خسفا ولا ضيما.

*****************
ولكن ابن مظعون.. الرجل الذي يصقله القرآن, ويربيه محمد صلى الله عليه وسلم, يتلفت حواليه, فيرى اخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين, الذين لم يجدوا لهم جوارا ولا مجيرا.. يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب.. والبغي يطاردهم في كل سبيل.. بينما هو آمن في سربه, بعيد من أذى قومه, فيثور روحه الحر, ويجيش وجدانه النبيل, ويتفوق بنفسه على نفسه, ويخرج من داره مصمما على أن يخلع جوار الوليد, وأن ينضو عن كاهله تلك الحماية التي حرمته لذة تحمل الأذى في سبيل الله, وشرف الشبه باخوانه المسلمين, طلائع الدنيا المؤمنة, وبشائر العالم الذي ستتفجر جوانبه غدا ايمانا, وتوحيدا, ونورا..
ولندع شاهد عيان يصف لنا ما حدث:
" لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة, قال: والله ان غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك, واصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لايصيبني, لنقص كبير في نفسي..
فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له:
يا أبا عبد شمس وفت ذمتك. وقد ردت اليك جوارك..
فقال له:
لم يا ابن أخي.. لعله آذاك أحد من قومي..؟
قال.. لا. ولكني أرضى بجوار الله, ولا أريد أن أستجير بغيره...
فانطلق الى المسجد فاردد عليّ جواري علانية ..
فانطلقا حتى أتيا المسجد, فقال الوليد: هذا عثمان..
قد جاء يرد عليّ جواري..
قال عثمان: صدق.. ولقد وجدته وفيّا كريما الجوار, ولكنني أحببت ألا أستجير بغير الله..
ثم انصرف عثمان, ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم, فجلس معهم عثمان فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان: صدقت..
قال لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال عثمان: كذبت.. نعيم الجنة لا يزول..
فقال لبيد: يا معشر قريش, والله ما كان يؤذي جليسكم, فمتى حدث هذا فيكم..؟
فقال رجل من القوم: ان هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدنّ في نفسك من قوله..
فرد عليه عثمان بن مظعون حتى سري أمرهما. فقام اليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابها, والوليد بن المغيرة قريب, يرى ما يحدث لعثمان, فقال: أما والله يا بن أخي ان كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة, لقد كانت في ذمة منيعة..
فال عثمان: بل والله ان عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس..!!
فقال له الوليد: هلم يا بن أخي, ا ن شئت فعد الى جواري..
قال ابن مظعون: لا...
وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضجّ بالألم, ولكن روحه تتفجر عافية, وصلابة, وبشرا..
ولقد مضى في الطريق الى داره يتغنى بشعره هذا:
فان تك عيني في رضا الله نالها
يد ملحد في الدين ليس بمهتدي
فقد عوّض الرحمن منها ثوابه
ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فاني وان قلتم غويّ مضلل
لأحيا على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله, والحق ديننا
على رغم من يبغي علينا ويعتدي

*****************
هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا, هو له أهل, وبه جدير..
وهكذا شهدت الحياة انسانا شامخا يعطّر الوجود بموقفه الفذ هذا..
وبكلماته الرائعة الخالدة:
" والله ان عيني الصحيحة, لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر"..!!
ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريش أذاها, وكان بهذا سعيدا جدّ سعيد.. فقد كان ذلك الأذىبمثابة النار التي تنضج الايمان وتصهره وتزكّيه..
وهكذا سار مع اخوانه المؤمنين, لا يروعهم زجر.. ولا يصدّهم اثخان..!!

*****************
ويهاجر عثمان الى المدينة, حيث لا يؤرّقه أبو جهل هناك, ولا أبو لهب.... ولا أميّة.. ولا عتبة, ولا شيء من هذه الغيلان التي طالما أرّقت ليلهم, وأدمت نهارهم..
يذهب الى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهت عسرته ومشقته ورهبته, والذين لم يهاجروا الى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بل لينطلقوا من بابها الفسيح الرحب الى كل أقطار الأرض حاملين راية الله, مبشرين بكلماته وآياته وهداه..
وفي دار الهجرة المنوّرة, يتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة, فاذا هو العابد, الزاهد, المتبتل, الأوّاب...
واذا هو الراهب الجليل, الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيها الحياة..
بل يملأ الحياة بعمله, وبجهاده في سبيل الله..
أجل..
راهب الليل فارس النهار, بل راهب الليل والنهار, وفارسهما معا..
ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيّما في تلك الفترة من حياتهم, كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل, فان ابن مظعون كان له في هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه امعانا رائعا, أحال حياته كلها في ليله ونهاره الى صلاة دائمة مضيئة, وتسبيحة طويلة عذبة..!!
وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى همّ بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة..
فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن, ولا يأكل الا الطعام الجشب..
دخل يوما المسجد, ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس, وكان يرتدي لباسا تمزق, فرقّعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم, ودمعت عيون أصحابه, فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
" كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة, ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة..؟!"..
قال الأصحاب:
" وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله, فنصيب الرخاء والعيش"..
فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:
" ان ذلك لكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..
وكان بديهيا, وابن مظعون يسمع هذا, أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!
بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى, لولا أن علم أن رسول الله عليه السلام علم عن ذلك فناداه وقال له:
" ان لأهلك عليك حقا"..

*****************
وأحبّه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبّا عظيما..
وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة, وأولهم ارتياد لطريق الجنة, كان الرسول عليه الصلاة والسلام, هناك الى جواره..
ولقد أكبّ على جبينه يقبله, ويعطّره بدموعه التي هطلت من عينيه الودودتين فضمّخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظات اشراقه وجلاله..
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودّع صاحبه الحبيب:
" رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الدنيا وما أصبت منها, ولا أصابت منك"..

*****************
ولم ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته, بل كان دائم الذكر له, والثناء عليه..
حتى لقد كانت كلمات وداعه عليه السلام لابنته رقيّة, حين فاضت روحها:
" الحقي بسلفنا الخيّر, عثمان بن مظعون"..!!!