الجمعة، 26 يوليو 2013

عمرو بن العاص

عمرو بن العاص
مقدمة :
كانوا ثلاثة فى قريش أتعبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه ....
وكان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة ....
ولكن اختار الله له طريق التوبة والرحمة فهداهم إلى الإسلام ....
وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل ... وغلى قائد من قادة الإسلام البواسل ...
وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظرة فيها فإن دوره كصحابي جليل بذل وأعطى سيظل يفتح على محياه أعيننا وقلوبنا ...
وهنا فى مصر بالذات ، سيظل الذين يرون فى الإسلام دينا قيما مجيدا ويرون فى رسوله الرحمة المهداة سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذى الولاء لهذا الرجل الذي جعلته الأقدار سببا لإهداء الإسلام إلى مصر وإهداء مصر إلى الإسلام فنعمت الهدية ونعم مهديها ..
ذلكم هو " عمرو بن العاص " رضي الله عنه ..
ولقد تعود المؤرخون أن ينعتوا عمرا ب ( فاتح مصر )
بيد أنا نرى فى هذا الوصف تجوزا وتجاوزا ، ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه " محرر مصر "
فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح ، إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا البلاد والعباد سوء العذاب وهما : إمبراطورية الفرس ، وإمبراطورية الروم ...
و مصر بالذات يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى ولما دوت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن : الله أكبر الله أكبر
سارعوا جميعا فى زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان ...
فعمرو بن العاص ورجاله لم يفتحوا مصر إذن إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها وتربط بالعدل مقاديرها وتجد نفسها وحقيقتها فى ضوء كلمات الله ومبادئ الإسلام ...
ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الذين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها....

إسلام عمرو بن العاص :
وعمرو بن العاص ولم يكن من السابقين إلى الإسلام فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل .
ومن العجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرو ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي وفى زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وسأل عاهل الحبشة عمرو كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقا ...؟؟؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا : " أهو كذلك " ؟؟
وأجابه النجاشي : " نعم فأطعني ياعمرو واتبعه فإنه والله لعلى حق وليظهرن على من خالفه " ..!!!
وركب عمرو ثبج البحر من فوره عائدا إلى بلادة وميمما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين ..
وفى الطريق إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام ..
ولم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يراهما حتى تهلل وجهة وقال لأصحابه :" لقد رمتكم مكة بفلذات أكبادها "
وتقدم خالد فبايع الرسول ثم تقدم عمرو فقال : " إني أبايعك على أن يغفر الله لى ما تقدم من ذنبي " ...
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا :" ياعمرو بايع .... فإن الإسلام يجب ما كان قبله " ..
وبايع عمرو ووضع دهائه وشجاعته فى خدمة الدين الجديد
وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، كان عمرو واليه على عمان ، وفى خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود فى حروب الشام ثم فى تحرير مصر من حكم الرومان ....

الأمير عمرو بن العاص :
واليت عمرو بن العاص قد قاوم فى نفسه حب الإمارة ...
على إن حب عمرو الإمارة كان إلى حد ما ، تعبيرا تلقائيا عن طبيعيه الجياشة بالمواهب ....
بل إن شكله الخارجى وطريقته فى المشى وفى الحديث كانت تومئ إلى إنه خلق للأمارة !! حتى لقد روى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا ، فابتسم لمشيته وقال :
"ما ينبغى لأبى عبد الله أن يمشى على الأرض إلا أميرا " ...
والحق أن أبا عبد الله لم يبخس نفسه هذا الحق . وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث باسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء والمقدرة ما يجعله واثقا من نفسه واثقا بنفسه معتزا بتفوقه ...
ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو الصارم فى اختيار ولاته يختاره واليا على فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ...
ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للأمارة يحمله على التفريط فى مسئولياته ، ما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه فى الولاية لحظة ....

صفات عمرو :
وكان عمرو رضي الله عنه حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ...
كما كان بالغ الجرأة مقداما ...
ولقد يمزج جرأته بدهائه فى بعض المواطن ، ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر قيل لأمير المؤمنين :
أن على رأس جيوش الروم بالشام " أرطبونا " أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة فكان جواب عمر :
" لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فلننظر عما تنفرج الأمور "...
ولقد انفرجت عن هزيمة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم الخطيرة عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر .. التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام .

وفاة عمرو بن العاص :
وفى السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها ... وراح يستعرض حياته فى لحظات الرحيل فقال :
" كنت أول أمري كافرا .. وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار....
ثم بايعت رسول الله فما كان فى الناس أحد أحب إلى منه ولا أجل فى عيني منه .. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ... فلو مت يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ...
ثم بليت بعد ذلك للسلطان وبأشياء لا أدرى أهي لي أم علي " ....
ثم رفع بصره إلى السماء فى ضراوة مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا :
" اللهم لا بريء فاعتذر ولا عزيز فأنتصر ، وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين "...
وظل في ضراعاته وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه وكانت أخر كلماته : لا اله إلا الله ........



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.