الجمعة، 26 يوليو 2013

عبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير
o أول جنين فى الهجرة:  
كان جنينا مباركا فى بطن أمه ، وهى تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم .
وهكذا قدر لعبد الله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها ، تبلغ قباء عند مشارف المدينة ، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة فى نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
وحمل أول مولود فى الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى دارة بالمدينة فقبله وحنكه وكان أول شيء دخل جوف عبد الله بن الزبير ريق الرسول الكريم ، واحتشد المسلمون فى المدينة وحملوا الوليد ثم طوفوا به فى شوارع المدينة كلها مهللين ومكبرين ...
ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه أشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم ، فلن تشهد المدينة وليدا ومنه أبدا ....
فلما أهل عبد الله بن الزبير كان وسيلة دمغ بها القدر إفك يهود المدينة وأبطل بها كيدهم وما يقترون ...!!!

o شباب عبد الله بن الزبير:
إن عبد الله بن الزبير لم يبلغ مبلغ الرجال فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه تلقى من ذلك العهد ، ومن الرسول نفسه كل خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ....
لقد راح الطفل ينمو نموا سريعا وكان خارقا فى حيويته وفطنته وصلابته ...وارتدى مرحلة الشباب فكان شبابه طهرا وعفة ونسكا وبطولة تفوق الخيال ....
وفى فتح إفريقيا والأندلس والقسطنطينية كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين من عمرة بطلا من أبطال الفتوح الخالدين ... على إن بطولته فى القتال كانت برغم تفوقها وإعجازها كانت تتوارى أمام بطولته فى العبادة ...
فلا حسبه ولا شبابه ولا مكانته ورفعته ولا أمواله ولا قوته ..... لا شيء من ذلك كله استطاع أن يحول بين عبد الله بن الزبير وبين أن يكون العابد الذي يصوم يومه ويقوم ليله ويخشع لله خشوع يبهر الألباب ...
إن الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة عبد الله بن الزبير لشيء يشبه الأسطورة فهو فى صيامه وفى صلاته وفى حجه وفى علو همته وشرف نفسه وفى سهرة الليل طوال عمره قانتا وعابدا وفى ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا وفى إيمانه الوثيق بالله وفى خشيته الدائمة له ....... هو فى كل هذا نسيج وحدة ..!!!!
وهو فى قوة خلقة وثبات سجاياه يزرى بثبات الجبال ...
واضح ، شريف ، قوى ، على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته وثبات نهجه ...

ولقد كان صموده فى وجه " معاوية " وابنه " يزيد " بطولة خارقة حقا .... فقد كان يرى إن " يزيد بن معاوية بن أبى سفيان " أخر رجل يصلح لخلافة المسلمين ، وهو محق فى رأيه فيزيد هذا كان فاسدا فى كل شيء لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها لنا التاريخ ...
فكيف يبايعه بن الزبير ؟؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادمة لمعاوية وهو حي ...
وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار الخليفة . وأرسل إلى ابن الزبير يتوعده بشر المصير ...
هنالك قال بن الزبير : " لا أبايع السكير أبدا "
وظل بن الزبير أميرا للمؤمنين ، متخذا من مكة المكرمة عاصمة لخلافته باسطا حكمه على الحجاز واليمن والبصرة والكوفة وخراسان والشام كلها عدا دمشق بعد أن بايعه أهل هذه الأمصار جميعا .....
ولكن الأمويين لا يقر قرارهم ولا يهدأ بالهم فيشنون عليه حروبا موصولة يبوءون فى أكثرها بالهزيمة والخذلان .

حتى جاء عهد " عبد الله بن مروان " وندب لمهاجمة عبد الله فى مكة واحد من أشقى بني أدم وأكثرهم إيغالا فى القسوة والإجرام وهو الحجاج الثقفي .
ذهب الحجاج على رأس جيشه لغزو مكة عاصمة الزبير وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير وحيدا بلا جيش ولا أعوان .
وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون ووجد عبد الله نفسه وحيدا وراح يقاتل الحجاج وجيشه فى شجاعة أسطورية وهو يومئذ فى السبعين من عمره .
ولن نبصر صورة أمينة لذلك الموقف الفذ إلا إذا أصغينا للحوار الذي دار بين عبد الله وأمه " أسماء بنت أبي بكر " فى تلك الساعات الأخيرة من حياته .
لقد ذهب إليها ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه وللمصير الذي بدا واضحا أنه ينتظره .
قالت له أسماء رضي الله عنها " أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق وتدعو إلى حق فاصبر حتى تموت فى سبيله ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية .....
وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت كم قٌتل معك "
قال عبد الله :" والله ياأماه ما أردت الدنيا ولا ركنت إليها وما جٌرت فى حكم الله أبدا ولا قتلت ولا غدرت "
قالت أمه أسماء :" إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبقني إلى الله أو سبقتك . اللهم ارحم طول قيامه فى الليل وظمأه فى الهواجر وبره بأبيه وبي "

o استشهاد عبد الله بن الزبير:
وبعد ساعة من الزمان انقضت فى قتال مرير غير متكافئ تلقى فيه الشهيد العظيم ضربة الموت وقام الحجاج بصلب الجثمان الهامد تشفيا وخسة .
وقامت أمه لترى ولدها وكالطود الشامخ وقفت تجاهه واقترب الحجاج منها فى هوان وذلة قائلا لها :
" يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الله بن مروان قد أوصاني بك خيرا !!!"
فصاحت به قائلة " لست لك بأم إنما أنا أم هذا المصلوب على الثنية وما بي إليكم حاجة ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"يخرج من ثقيف كذاب ومٌبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المٌبير فلا أراه إلا أنت "
وبعد فهل كان يمكن لعبد الله أن يحيا حياته دون هذا المستوى البعيد من التفوق ، والبطولة والصلاح وقد كان له أم من هذا الطراز ؟؟؟؟
سلام على عبد الله .......
سلام على أسماء .........
سلام عليهما فى الشهداء الخالدين .
سلام عليهما فى الأبرار الصالحين .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.