الجمعة، 26 يوليو 2013

أبو عبيدة بن الجراح

أبو عبيدة بن الجراح 
( أمين هذه الأمة ) 
من هذا الذي امسك الرسول صلى الله عليه وسلم بيمينة وقال عنه : " إن لكل أمة أمينا وأن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراج " .. ؟؟؟
من هذا الذي أرسله النبي فى غزوة ذات السلاسل مددا لعمرو بن العاص وجعل أميرا على جيش فيه ابو بكر وعمر ..؟؟؟
من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بـ ( أمير الأمراء ) .. ؟؟
أجل من هذا الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاي وهو يجود بأنفاسة :" لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فإن سألنى ربي عنه قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسوله " .. ؟؟
إنه أبو عبيدة .." عامر بن عبد الله بن الجراح "..
أسلم على يد أبى بكر الصديق فى الأيام الأولى للإسلام ، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة فى الهجرة الثانية ثم عاد منها ليقف إلى جوار رسوله فى بدر وأحد وبقية المشاهد جميعها ثم ليواصل سيره القوي الامين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فى صحبة خليفته أبي بكر ثم فى صحبة أمير المؤمنين عمر ، نابذا الدنيا وراء ظهره ، مستقبلا تبعات دينه فى زهد وتقوى وصمود وامانة .
**********
عندما بايع " أبو عبيدة " الرسول صلى الله عليه وسلم على أن ينفق حياته فى سبيل الله كان مدركا تمام الإدراك ما تعنية هذه الكلمات الثلاث – فى سبيل الله – وكان على أتم الاستعداد أن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وعطاء ..
ولما وفى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب رأى الرسول فى مسلك ضميرة ومسلك حياته ما جعلة أهلا لهذا اللقب الجميل الذي افاءة عليه وأهداه إليه ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراج "

**********
إن أمانة أبي عبيدة على مسئولياته لهى أبرز خصاله ففى غزوة أحد أحس من سير المعركة حرص المشركين لا على إحراز النصر فى الحرب بل قبل ذلك ودون ذلك على اغتيال حياة الرسول العظيم فاتفق من نفسه على أن يظل مكانه فى المعركة قريبا من مكان الرسول ، ومضى يضرب بسيفة الأمين مثله فى جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله ..
وكلما استدرجته ظروف القتال وضرورات الحرب بعيدا عن رسول الله قاتل وعيناه لا تسيران فى اتجاه ضرباته .. بل هما متجهان دوما فى اتجاه الرسول ترقبانه فى حرص وقلق ..
وفى أحدى جولاته تلك ، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المقاتلين وكانت عيناه كعادتهما تحدقان كعيني الصقر فى موقع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه إذ رأى سهما ينطلق من يد مشركة فيصيب النبي وعمل سيفة فى الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف حتى فرقهم عنه وطار صوب الرسول فرأى دمة دمه الزكي يسيل على وجهه ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول : " كيف يفلح قوم خطبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم " ؟؟؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلتا فى وجنتي النبي ، فلم يطق صبرا واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة النبي فسقطت ثنية ثم نزع الحلقة الأخرى فسقطت ثنية أخرى ...
وأيام اتسعت مسئوليات الصحابة وعظمت كان أبو عبيدة فى مستواها دوما بصدقه وبأمانته ....
فإذا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم فى غزوة " الخبط " أميرا على ثلثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين ، وليس معهم من زاد سوى جراب تمر .. والمهمة صعبة والسفر بعيد ، استقبل أبو عبيدة واجبه فى تفان وغبطة وراح هو وجنودة يقطعون الأرض وزاد كل واحد منهم طوال يومه حفنة من التمر حتى إذا أوشك التمر أن ينتهى يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة فى اليوم حتى إذا فرغ التمر راحوا يتصيدون الخبط أى ورق الشجر بقسيهم فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ومن أجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة " الخبط " ...
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التر اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ..!!!

**********
لقد احب الرسول عليه الصلاه والسلام أمين الامة أبا عبيدة كثيرا وآثره كثيرا .. ويوم جاءه وفد نجران من اليمن مسلمين وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والإسلام قال لهم الرسول : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين حق أمين "
وسمع الصحابة هذا الثناء من الرسول فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع عليه اختيار الرسول فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه ...
وكما عاش أبو عبيدة بن الجراح أمينا مع الرسول صلى الله عليه وسلم عاش بعد وفاة الرسول أمينا ...
ولقد سار تحت راية الإسلام أنى سارت – جنديا ، كأنه بفضلة وبإقدامه الأمير ... أميرا – كأنه بتواضعه وإخلاصه واحدا من عامة المقاتلين ...
وعندما كان خالد بن الوليد يقود جيوش الإسلام فى إحدى المعارك الفاصلة الكبرى واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبى عبيدة مكان خالد ..
ولم يكد أبي عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد حتى استكتمة الخبر وكتمه هو فى نفسه طاويا عليه صدر زاهد فطن أمين حتى أتم القائد خالد فتحه العظيم ...
وآنئذ تقدم إليه فى أدب جليل بكتاب عمر بن الخطاب ويسأله خالد : " يرحمك الله يا أبا عبيدة .. ما منعك أن تخبرنى حين جاءك الكتاب ؟"...
فيجيبه أمين الأمة " إنى كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا فى الله إخوة " ..!!!

**********
ويصبح أبو عبيدة – أمير الأمراء – بالشام ويصير تحت إمارته أكثر جيوش الإسلام طولا وعرضا .. عتادا وعددا ..
فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين وفردا عاديا من المسلمين وحين ترمى إلى مسامعه حديث أهل الشام عنه وانبهارهم به جمعهم وقام فيهم خطيبا ...فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته وعظمته وأمانته : " يا أيها الناس ... إنى مسلم من قريش وما منكم من أحد ، أحمر أو أسود يفضلنى بتقوى إلا وددت أنى فى إهابه " ....!!
حياك الله ياأبا عبيدة وحيا الله دينا أنجبك ورسولا علمك
مسلم من قريس لا أكثر ولا أقل
الدين : الإسلام
والقبيلة : قريش
هذه لا غير هويته ..
أما هو كأمير للأمراء وقائد لأكثر جيوش الإسلام عددا واشدها بأسا وأعظمها فوزا ....
أما هو حاكم لبلاد الشام وأمره مطاع ومشيئته نافذه ...
كل ذلك ومثله معه لا ينال من انتباهه لفته وليس له فى تقديره حساب .. أى حساب .. !!

**********
وذات يوم وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج – فى المدينة – شئون عالمه المسلم الواسع جاءه الناعى أن قد مات أبو عبيدة وأسبل الفاروق جفنيه على عيني عصتا بالدموع وغاض الدمع ففتح عينيه فى إستسلام ، وترحم على صاحبه واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه فى حنان صابر وأعاد مقالته عنه : " لو كنت متمنيا ، ما تمنيت إلا بيتا مملوء برجال من أمثال أبي عبيدة " ....
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس واضطهاد الرومان ..

**********
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.