جعفر بن عبد المطلب
أبو المساكين
انظروا جلال شبابه ....
انظروا نضرة أهابه .....
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف ..... وجوده الذي لا يخاف الفقر ...
انظروا طهره وعفته
انظروا صدقه وأمانته انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن والفضيلة والعظمة ، ثم لا تعجبوا فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خلقا وخلقا .
أنتم أمام من كناه الرسول ب ( أبى المساكين )
أنتم تجاه من لقبه الرسول ب ( ذي الجناحين )
انتم تلقاء طائر الجنة الفريد ( جعفر بن أبى طالب )
إسلامه :
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما أخذا مكانه العالي بين المسلمين المبكرين ...
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته " أسماء بنت عميس "
وحملا نصيبهما من الأذى والاضطهاد في شجاعة وغبطة .....
فلما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الهجرة إلي الحبشة ، خرج جعفر وزوجته حيث لبثا بها سنين عددا رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة ( محمد – عبد الله – عوف )
يوم المحاورة :
وفى الحبشة كان جعفر بن أبى طالب المتحدث اللبق ، والموفق باسم الإسلام ورسوله
ذلك أن الله أنعم عليه – فيما أنعم – بذكاء القلب ، وإشراق العقل ، وفطنة النفس ، وفصاحة اللسان .
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد أروع أيامه وأمجاده وأخلدها .....
فإن يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي ملك الحبشة لن يقل روعة ولا بهاءا ولا مجدا ....
وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها ولم يذهب من غيظها ولم يطامن من أحقادها هجرة المسلمين إلى الحبشة بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم ، هنالك قرر ساداتها إرسال مبعوثين إلي النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة ، ويحملان رجائها في أن يخرج من بلادة هؤلاء الذين جاءوا إليها لائذين ومستجيرين ....
وكان هذان المبعوثان : عبد الله بن أبى ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وكانا لم يسلما بعد ......
وحط الرسولان رحالهما بالحبشة ، وقابلا الزعماء الروحانيين بها ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها إليهم ثم أرسلا للنجاشي هداياه ومضيا يوغران صدر القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين ويستنجدان بهم لحمل النجاشي على إخراجهم من بلادة .....
وحدد يوم يلقيان فيه النجاشي ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها ...
وفي وقار مهيب ، وتواضع جليل ، جلس النجاشي عل كرسيه العالي ، تحف به الأساقفة ورجال الحاشية وجلس أمامه في البهو الفسيح المسلمون المهاجرون تغشاهم سكينة الله وتظلهم رحمته ووقف مبعوثا قريش يرددان الاتهام الذي سبق أن ردداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذا الاجتماع الحاشد الكبير :
" أيها الملك أنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، بل جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم "
وولى النجاشي وجهه شطر المسلمين ملقيا عليهم سؤاله :
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا " ؟؟؟؟
ونهض جعفر قائما ... ليؤدى المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ، نهض جعفر في تؤدة وجلال ، وألقى نظرات على الملك الذي أحسن جوارهم وقال :
" كنا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجواري ، ويأكل القوي منا الضعيف ... حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه ، وصدقه وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ....
وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ...
ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، ... فصدقناه وأمنا به ، واتبعناه على ما جاءه من ربه ، فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان وإلى ما كنا عليه من الخبائث ...
فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك "
والقي " جعفر " بهذه الكلمات المشفرة كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي إحساسا وروعة والتفت إلى جعفر وسأله :
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيئا "؟؟؟
قال جعفر : نعم ...
قال النجاشي : فاقرأه على...
ومضى جعفر يتلوا آيات من سورة مريم في أداء عذب وخشوع أثر فبكى النجاشي وبكى معه أساقفته جميعا ....
ولما كففت دموعه الهاطلة الغزيرة التفت إلي مبعوثي قريش ، وقال :
" إن هذا والذي جاء به عيسي ، ليخرج من مشكاة واحدة ...
انطلقا فلا والله ، لا أسلمهم إليكما " ....!!!!
انفض الجمع ، وقد نصر الله عباده وآزرهم في حين زرىء مندوبا قريش بهزيمة منكرة ...
ولكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة ، لا يتجرع الهزيمة ولا يذعن لليأس.
وفى الغداة سار إلي مقابلة الملك وقال له عمرو :
" أيها الملك إنهم ليقولون في عيسى قولا عظيما ".....
واضطرب الأساقفة ، واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة ، ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح .....
وانعقد الاجتماع من جديد ، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر :
" ماذا تقولون في المسيح "؟؟؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال :
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ...
فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح على نفسه ...
لكن صفوف الأساقفة ضجت بما يشبه النكير ....
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين :
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبكم أو آذاكم فعليه غرم ما يفعل " ...
ثم التفت صوب حاشيته وقال وسبابته تشير إلى مبعوثي قريش :
" ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ....
فوا لله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فأخذ الرشوة فيه "...!!!
وخرج مبعوثا قريش مخذولين ، حيث وليا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين إليها ....
استشهاد جعفر :
وكانت غزوة مؤتة تتحرك راياتها في الأفق متأهبة للزحف وللمسير ....
وتقدم جعفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا .....
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة بل ولا حربا صغيرة إنما هي حرب لم يخض الإسلام مثلها من قبل ، حرب مع جيوش إمبراطورية عريضة باذخة ، تملك من العتاد والأعداد والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين بها ومع هذا طار قلبه شوقا إليها وكان ثالث ثلاثة جعلهم الرسول قواد الجيش وأمراءه ...
خرج الجيش وخرج جعفر معه ...
والتقى الجمعان في يوم رهيب ....
وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين " زيد بن حارثة " حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى يقاتل بها فى إقدام خارق إقدام رجل لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة ......
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل ... وراح يصوب سيفه ويسدده إلى نحور أعداءه كنقمة القدر ... ولمح واحدا من الأعداء يقترب من فرسه ليعلوا ظهرها فعز عليه أن يمتطى صهوتها هذا الرجز فبسط نحوها سيفه وعقرها ....!!!!
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل ، وكأنه جيش لجب ...وأحاطوا به فى إصرار مجنون على قتله وحاصروه حصارا لامنفذ فيه للنجاة .
وضربوا بالسيوف يمينه ، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله .. وضربوها هى الأخرى فاحتضن الراية بعضديه ...
وفى هذه اللحظة تركزت كل مسئوليته فى ألا يدع الراية راية الرسول صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حي ...
وحين تكومت جثته الطاهرة ، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه فشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها وأخذها في قوة ومضى بها إلى مصير عظيم .
وهكذا صنع جعفر لنفسه موته من أعظم موتات البشر ...
وذهب المساكين جميعا يبكون أباهم .. فقد كان جعفر رضي الله عنه " أبا المساكين "
يقول أبو هريرة : " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب "
أجل كان أجود الناس بماله وهو حي ... فلما جاء أجله أبى إلا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحياته .
إنه هنالك فى جنان الخلد يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح ....
وإن شئتم فاسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
"لقد رأيته فى الجنة .. له جناحان مضرجان بالدماء ... مصبوغ القوادم " ....!!!
انظروا نضرة أهابه .....
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف ..... وجوده الذي لا يخاف الفقر ...
انظروا طهره وعفته
انظروا صدقه وأمانته انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن والفضيلة والعظمة ، ثم لا تعجبوا فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خلقا وخلقا .
أنتم أمام من كناه الرسول ب ( أبى المساكين )
أنتم تجاه من لقبه الرسول ب ( ذي الجناحين )
انتم تلقاء طائر الجنة الفريد ( جعفر بن أبى طالب )
إسلامه :
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما أخذا مكانه العالي بين المسلمين المبكرين ...
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته " أسماء بنت عميس "
وحملا نصيبهما من الأذى والاضطهاد في شجاعة وغبطة .....
فلما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الهجرة إلي الحبشة ، خرج جعفر وزوجته حيث لبثا بها سنين عددا رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة ( محمد – عبد الله – عوف )
يوم المحاورة :
وفى الحبشة كان جعفر بن أبى طالب المتحدث اللبق ، والموفق باسم الإسلام ورسوله
ذلك أن الله أنعم عليه – فيما أنعم – بذكاء القلب ، وإشراق العقل ، وفطنة النفس ، وفصاحة اللسان .
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد أروع أيامه وأمجاده وأخلدها .....
فإن يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي ملك الحبشة لن يقل روعة ولا بهاءا ولا مجدا ....
وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها ولم يذهب من غيظها ولم يطامن من أحقادها هجرة المسلمين إلى الحبشة بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم ، هنالك قرر ساداتها إرسال مبعوثين إلي النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة ، ويحملان رجائها في أن يخرج من بلادة هؤلاء الذين جاءوا إليها لائذين ومستجيرين ....
وكان هذان المبعوثان : عبد الله بن أبى ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وكانا لم يسلما بعد ......
وحط الرسولان رحالهما بالحبشة ، وقابلا الزعماء الروحانيين بها ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها إليهم ثم أرسلا للنجاشي هداياه ومضيا يوغران صدر القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين ويستنجدان بهم لحمل النجاشي على إخراجهم من بلادة .....
وحدد يوم يلقيان فيه النجاشي ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها ...
وفي وقار مهيب ، وتواضع جليل ، جلس النجاشي عل كرسيه العالي ، تحف به الأساقفة ورجال الحاشية وجلس أمامه في البهو الفسيح المسلمون المهاجرون تغشاهم سكينة الله وتظلهم رحمته ووقف مبعوثا قريش يرددان الاتهام الذي سبق أن ردداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذا الاجتماع الحاشد الكبير :
" أيها الملك أنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، بل جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم "
وولى النجاشي وجهه شطر المسلمين ملقيا عليهم سؤاله :
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا " ؟؟؟؟
ونهض جعفر قائما ... ليؤدى المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ، نهض جعفر في تؤدة وجلال ، وألقى نظرات على الملك الذي أحسن جوارهم وقال :
" كنا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجواري ، ويأكل القوي منا الضعيف ... حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه ، وصدقه وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ....
وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ...
ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، ... فصدقناه وأمنا به ، واتبعناه على ما جاءه من ربه ، فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان وإلى ما كنا عليه من الخبائث ...
فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك "
والقي " جعفر " بهذه الكلمات المشفرة كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي إحساسا وروعة والتفت إلى جعفر وسأله :
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيئا "؟؟؟
قال جعفر : نعم ...
قال النجاشي : فاقرأه على...
ومضى جعفر يتلوا آيات من سورة مريم في أداء عذب وخشوع أثر فبكى النجاشي وبكى معه أساقفته جميعا ....
ولما كففت دموعه الهاطلة الغزيرة التفت إلي مبعوثي قريش ، وقال :
" إن هذا والذي جاء به عيسي ، ليخرج من مشكاة واحدة ...
انطلقا فلا والله ، لا أسلمهم إليكما " ....!!!!
انفض الجمع ، وقد نصر الله عباده وآزرهم في حين زرىء مندوبا قريش بهزيمة منكرة ...
ولكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة ، لا يتجرع الهزيمة ولا يذعن لليأس.
وفى الغداة سار إلي مقابلة الملك وقال له عمرو :
" أيها الملك إنهم ليقولون في عيسى قولا عظيما ".....
واضطرب الأساقفة ، واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة ، ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح .....
وانعقد الاجتماع من جديد ، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر :
" ماذا تقولون في المسيح "؟؟؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال :
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ...
فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح على نفسه ...
لكن صفوف الأساقفة ضجت بما يشبه النكير ....
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين :
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبكم أو آذاكم فعليه غرم ما يفعل " ...
ثم التفت صوب حاشيته وقال وسبابته تشير إلى مبعوثي قريش :
" ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ....
فوا لله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فأخذ الرشوة فيه "...!!!
وخرج مبعوثا قريش مخذولين ، حيث وليا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين إليها ....
استشهاد جعفر :
وكانت غزوة مؤتة تتحرك راياتها في الأفق متأهبة للزحف وللمسير ....
وتقدم جعفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا .....
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة بل ولا حربا صغيرة إنما هي حرب لم يخض الإسلام مثلها من قبل ، حرب مع جيوش إمبراطورية عريضة باذخة ، تملك من العتاد والأعداد والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين بها ومع هذا طار قلبه شوقا إليها وكان ثالث ثلاثة جعلهم الرسول قواد الجيش وأمراءه ...
خرج الجيش وخرج جعفر معه ...
والتقى الجمعان في يوم رهيب ....
وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين " زيد بن حارثة " حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى يقاتل بها فى إقدام خارق إقدام رجل لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة ......
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل ... وراح يصوب سيفه ويسدده إلى نحور أعداءه كنقمة القدر ... ولمح واحدا من الأعداء يقترب من فرسه ليعلوا ظهرها فعز عليه أن يمتطى صهوتها هذا الرجز فبسط نحوها سيفه وعقرها ....!!!!
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل ، وكأنه جيش لجب ...وأحاطوا به فى إصرار مجنون على قتله وحاصروه حصارا لامنفذ فيه للنجاة .
وضربوا بالسيوف يمينه ، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله .. وضربوها هى الأخرى فاحتضن الراية بعضديه ...
وفى هذه اللحظة تركزت كل مسئوليته فى ألا يدع الراية راية الرسول صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حي ...
وحين تكومت جثته الطاهرة ، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه فشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها وأخذها في قوة ومضى بها إلى مصير عظيم .
وهكذا صنع جعفر لنفسه موته من أعظم موتات البشر ...
وذهب المساكين جميعا يبكون أباهم .. فقد كان جعفر رضي الله عنه " أبا المساكين "
يقول أبو هريرة : " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب "
أجل كان أجود الناس بماله وهو حي ... فلما جاء أجله أبى إلا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحياته .
إنه هنالك فى جنان الخلد يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح ....
وإن شئتم فاسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
"لقد رأيته فى الجنة .. له جناحان مضرجان بالدماء ... مصبوغ القوادم " ....!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.