الجمعة، 26 يوليو 2013

أبو هريرة

أبو هريرة
(ذاكرة عصر الوحي):-


صحيح أن ذكاء المرء محسوب عليه ....
واصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن فى نفس الوقت الذي ينبغى أن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء ، فقد كان ذا موهبة خارقة فى سعة الذاكرة وقوتها ، كان رضي الله عنه يجيد فن الإصغاء وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان ....
يسمع فيعي ويحفظ ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر وتعاقبت الأيام ... ومن أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظاً لأحاديثه وبالتالى أكثرهم رواية لها .
وها هو ذا يتحدث عن نفسه ويقول : " نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ..!!
كنت أخدمهم إذا نزلوا وأحدوا لهم إذا ركبوا ...
وهأنذا وقد زوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وجعل أبا هريرة إماماً ".
قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر . فأسلم راغباً مشتاقا ، ومنذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعة لم يكد يفارقه قط إلا فى ساعات النوم ..
وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً وحدها .. كانت طويلة عريضة ممتلئة بكل صالح من القول والعمل والإصغاء .
أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الإسلام .
إن أبطال الحرب فى الصحابة كثيرون ...
والفقهاء والدعاه والمعلمون كثيرون ....
لكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتاب .
ففى تلك العصور كانت الجماعة الإنسانية كلها لا العرب وحدهم لا يهتمون بالكتابة ولم تكن الكتابة من علامات التقدم فى مجتمع ما .
لم يكن أبو هريرة ممن يكتبون ، ولكنه كان سريع الحفظ قوي الذاكرة ، ولم تكن له أرض يزرعها ولا تجارة تشغلة ، ومن ثم لم يكن يفارق الرسول فى سفر ولا فى حضر .
وهكذا راح يكرس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته .
فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، راح أبو هريرة يحدث ويحدث مما جعل بعض أصحابة يعجبون : أنى له كل هذه الأحاديث ومتى حفظها ووعاها.
وراح أبو هريرة يحدث ويحدث ، لا يصده عن الحديث صاد، حتى قال له عمر يوماً وهو أمير المؤمنين :
" لتتركن الحديث عن رسول الله ، او لألحقنك بأرض دوس "
على إن هذا النهى من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاماً لأبى هريرة بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبناها ويؤكدها تلك هى ، إن على المسلمين فى تلك الفترة بالذات ألا يقرأول وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقر ويثبت فى الأفئده والعقول .
فالقرآن كتاب الإسلام ودستوره وقاموسه وكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما فى تلك السنوات التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام ، والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها
وكان القرآن جمع بطرية مضمونة دن أن يتسرب إليه ما ليس منه ..
أما الأحاديث فليس يضمن عمر أن تحرف أو تزيف .
زكان أبو هريرة يقدر وجهة نظر عمر ولكنه أيضاً كان واثقا من نفسه ومن أمانته ، وكان لا يريد أن يكتم من العلم والحديث ما يعتقد إن كتمانه إثم وبوار .
ألا إن هناك سببا هاماً كان له دور كبير فى إثارة المتاعب حول إبى هريرة لكثرة تحدثة وحديثة ، ذلك أنه كان هناك يومئذ محدث أخر يحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف ولم يكن المسلمون الصحابة يطمئنون كثيرا لحديثة ذلك هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم .
وأراد مروان بن الحكم يوماً أن يبلوا مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه إليه أجلسه معه ، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حين أجلس كاتبه وراء حجاب وأمره ان يكتب كل ما يقوله أبو هريرة ...
وبعد مرور عام ، دعاه مروان مرة أخرى وأخذ يستقرأه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها ، فما نسى أبو هريرة كلمة منها !!!
وقال عنه الإمام الشافعي رصي الله عنه : " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى عصره .
وكان أبو هريرة من العابدين الأوابين يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ، فيقوم هو ثلثه وتقوم زوجته ثلثه وتقوم ابنته ثلثه ... وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفى بيت أبي هريرة عباده وذكر وصلاة !!!
وعاش أبو هريرة عابدا ومجاهدا ... لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة .
وفى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته .
وحين ولى أبو هريرة البحرين ادخر مالاً من مصادره الحلال وعلم عمر فدعاه إلى المدينة ولندع أبو هريرة يروى ما جرى بينهما من حوار سريع :
" قال لى عمر : ياعدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله ..!!
قلت : ما أنا بعدو الله وعدو كتابة ... لكنى عدو من عاداهما ...
ولا أنا من يسرق مال الله ...!
قال : فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ... !
قلت : خيل لى تناسلت وعطايا تلاحقت ...
قال عمر : فادفعها إلى بيت مال المسلمين "
ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال " اللهم اغفر لأمير المؤمنين "
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة وعرض عليه الولاية من جديد فأباها واعتذر عنها .
قال له عمر : ولماذا ؟؟
قا ل أبو هريرة حتى لا يشتم عرضي ويؤخد مالي ويضرب ظهرى ....
ثم قال : وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم .
وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله ..
وبينما كان عواده يدعون له بالشفاء من مرضه كان هو يلح على الله قائلا :
" اللهم إنى أحب لقائك فإحب لقائي "
وعن 78 سنة فى العام 59 من الهجرة وبين ساكني البقيع الأبرار تبوأجثمانه الوديع مكاناً مباركا . وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسول الله الكريم ..
ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله : " لماذا كني شيخنا الراحل بأبي هريرة ؟؟؟
فيجيبة صاحبه وهو بالأمر خبير :
" لقد كان أسمة فى الجاهلية عبد شمس ولما أسلم سماه الرسول عبد الرحمن ولقد كان عطوفا على الحيوان وكانت له هرة يطعمها ويحملها وينظفها ويؤويها وكانت تلازمة ظله .
وهكذا دعى أبا هريرة رضى الله عنه وأرضاه .......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.