الجمعة، 26 يوليو 2013

عمار بن ياسر

عمار بن ياسر 
رجل من الجنة:-
و كان هناك أناس يولدون فى الجنة ثم يشبون فى رحابها ويكبرون ثم يجاء بهم إلى الأرض ليكونوا زينة لها ونورا لكان " عمارا " وأمه " سمية " ، وأبوه " ياسر " من هؤلاء .
ولكن لماذا نقول : لو ... ولماذا نفترض هذا الإفتراض ، وقد كان آل ياسر من أهل الجنه فعلا ..؟؟؟
وما كان الرسول عليه الصلاة والسلام مواسيا لهم فحسب حين قال : ( صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة ) ..بل كان يقرر حقيقة يعرفها ويؤكد واقعا يبصره ويراه .
خرج ياسر بن عامر والد " عمار " من بلدة فى اليمن يطلب أخا له ويبحث عنه ، وفى مكة طاب له المقام فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة ، وزوجه أبو حذيفة إحدى إمائه "سمية بنت خياط" ، ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الأبوين "عمارا" وكان إسلامهم مبكرا شأن الأبرار الذين هذاهم الله وشأن الأبرار المبكرين أيضا أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريس وأهوالها .
ووكل أمر تعذيبهم إلى بني المخزوم يخرجون بهم جميعا ... ياسر وسمية وعمارا كل يوم إلى رمضاء مكة الملتهبة ويصبون عليهم من جحيم العذاب ألوانا وفنونا .
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج كل يوم حيث علم أن آل ياسر يعذبون محييا صمودهم وبطولتهم وكان قلبه الكبير يذوب رحمة وحنانا لمشهدهم وهم يتلقون من العذاب ما لا طاقة لهم به .
وذات يوم وهو يعودهم ناداه عمار : " يارسول الله .. بلغ منا العذاب كل مبلغ "
فناداه الرسول : " صبرا أبا اليقظان .. صبرا آل ياسر ، فإن موعدك الجنة "
على أن هذا الهول كله لم يكن ليفدح روح عمار وإن فدح ظهره ودغدغ قواه ...
ولم يشعر عمار بالهلاك حقا إلا فى ذلك اليوم الذي استنجد فيه جلادوه بكل عبقريتهم فى الجريمة والبغي .. فمن الكي بالنار إلى صلبه على الرمضاء المستعره تحت الحجارة الملتهبة .. إلى غطة فى الماء حتى تختنق أنفاسه وتتسلخ قروحه وجروحة . فى هذا اليوم إذ فقد وعيه تحت وطأة هذا الهول فقالوا له : اذكر ألهتنا بخير وأخذوا يقولون له وهو يردد وراءهم القول فى غير شعور .
فى ذلك اليوم بعد أن أفاق قليلا من غيبوبة تعذيبه تذكر ما قال فطار صوابه وتجسمت هذه الهفوه أمام نفسه حتى رآها خطيئة لا مغفرة لها ولا كفارة .
ولقى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبة فألفاه يبكي فجعل يمسح دموعه بيده ويقول له : أخذك الكفار وغطوك فى الماء فقلت كذا وكذا ..؟؟؟
أجاب عمار وهو ينتحب : نعم يارسول الله ....
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم : " إن عادوا فقل لهم مثل قولك هذا " ...!!!
ثم تلا عليه الآيه الكريمة ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان )...
واسترد عمار سكينة نفسه ولم يعد يجد للعذاب المنقض على جسده ألما ولم يعد يلقى له بالا
وصمد عمار حتى حل الإعياء بجلاديه وارتدوا أمام إصراره صاغرين .... *************
واستقر المسلمون بالمدينة بعد هجرة سولهم إليهم وأخذ المجتمع الإسلامى هناك يتشكل سريعا ووسط هذه الجماعة المسلمة المؤمنة أخذ عمار مكانا عليا ... كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حبا عظيما ويباهى أصحابه بإيمانه وهديه ...ويقوا عنه صلى الله عليه وسلم :" إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشة" أى ما تحت عظمه
وحين وقع سوء تفاهم عابر بين خالد بن الوليد وبين عمار قال الرسول : " من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ..."
ولم يكن أمام خالد بن الوليد – بطل الإسلام – إلا أن يسارع إلى عمار معتذرا إليه وطامعا فى صفحه الجميل ..!!!
وإذا أحب رسول الله مسلما إلى هذا الحد ، فلابد أن يكون إيمانه وبلاءه وولاءه وعظمة نفسه واستقامة ضميره ونهجه قد بلغت المدى وانتهت إلى ذروة الكمال الميسور ... وكذلكم كان عمار .
لقد كال الله له من نعمته وهداه بالمكيال الأوفى وبلغ فى درجات الهدى واليقين ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يزكى إيمانه ويرفعه بين أصحابه قدوه ومثلا فيقول : " اقتدوا بالذين من بعدى أبي بكر وعمر ... واهتدوا بهدى عمار"
بقد شهد عمار مع معلمه ورسوله جميع المشاهد بدرا وأحد والخندق وتبوك ... وبقيتها جميعا ، ولما ذهب الرسول إلى الرفيق الأعلى واصل العملاق زحفه ففي لقاء المسلمين مع الفرس ومع الروم ومن قبل ذلك فى لقائهم مع جيوش الردة الجرارة كان عمار هناك فى الصف الأول دوما ... جنديا باسلا لا تنبوا لسيفه ضربة ومؤمنا ورعا جليلا لا تاخذه عن الله رغبة ...
وحين كان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يختار ولاة المسلمين فى دقة كانت عيناه تقعان دوما فى ثقة أكيده على عمار بن ياسر ... وهكذا سارع إليه ولاية الكوفة .
ولقد سار عمار فى ولايته سيرا شق على الطامعين فى الدنيا تحمله حتى تألبوا عليه أو كادوا .. ولقد زادته الولايه تواضعا وورعا وزهدا ...
يقول بن أبي الهذيل ، وهو من معاصريه فى الكوفة : " رأيت عمار بن ياسر وهو أمير الكوفة يشترى من قثائها ثم يربطها بحبل ويحملها فوق ظهره ويمضي بها إلى داره " ....!!
ويقول له واحد من العامة وهو أمير الكوفة " ياأجدع الأّن " يعايوه بأذنه التي قطعت بسيوف المرتدين فى حرب اليمامة ... فلا يزيد الأمير الذي بيده السلطه على أن يقول لشاتمه : " خير أذني سببت .. لقد أصيبت فى سبيل الله "
أجل لقد أصيبت فى سبيل الله يوم اليمامة وكان يوما من أيام عمار المجيدة .. إذ انطلق هذا العملاق فى استبسال عاصف يحصد فى جيش مسيلمة الكذاب ويهدي إليه المنايا والدمار ...
وإذ يرى المسلمين قتورا يرسل بين صفوفهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح يامعشر المسلمين أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلى فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعه تتأرجح وهو يقاتل أشد القتال " ... !!!!!
ألا من كان فى شك من عظمة محمد الرسول الصادق والمعلم الكامل فليقف أمام هذه النماذج من أصحابه وليسأل نفسه : هل يقدر على إنجاب مثل هذا الطراز الرفيع سوى رسول كريم ومعلم عظيم ؟؟؟؟"
*************
والآن ونحن نقفوا أثر عمار ونتتبع معالم حياته العظيمة تعالوا نقترب من مشهد عظيم ...
ولكن قبل أن نواجه هذا المشهد فى روعته وجلاله تعالوا نبصر مشهد أخر يسبق هذا المشهد ويتنبأبه ويهيأله .
كان ذلك اثر استقرار المسلمين بالمدينة ، وقد نهض الرسول الأمين وحولة الصحابة الأبرار شعثا لربهم وغبرا يبنون بيته ويقيمون مسجده وقد امتلأت أفئدتهم المؤمنة غبطة وتألقت بشرا وابتهلت حدا لربها وشكرا الجميع يعملون فى حبور وأمل يحملون الحجارة .
إنها خلايا الله تعمل إنهم جنوده يحملون لواءه ويرفعون بناءه .... وعمار هناك وسط المهرجان الحافل يحمل الحجارة الثقيلة ويبصره الرحمة المهداه محمد رسول الله فيأخذه إليه حنان عظيم ويقترب منه وينفض بيده البارة الغبار الذي كسى رأسه ويتأمل وجهه الوديع المؤمن بنظرات ماؤها نور الله ، ثم يقول على ملأ من أصحابه جميعا : " ويح بن سمية ..!!! تقتله الفئه الباغية "
وتتكرر النبوءة مرة أخرى حين يسقط جدار كان يعمل كان يعمل تحته فيظن بعض اخوانه أنه قد مات فيذهب ينعاه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فى طمأنينة وثقة : " ما مات عمار ... تقتل عمار الفئة الباغية "
ومضت الأيام والأعوام .... ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ثم لحق به إلى رضوان الله أبو بكر ثم لحق بهما إلى رضوان اللع عمر ، وولى الخلافة " ذو النورين " عثمان بن عفان .
وكانت المؤامرات ضد الإسلام تعمل عملها المستميت وتحاول ان تربح بالغدر وإثارة الفتن ما خسرته فى الحرب .
وكان مقتل عمر بن الخطاب اول نجاح أحرزته هذه المؤامرات واغراها استشهاد عمر على مواصلة مساعيها فألبت الفتن وايقظتها فى معظم بلاد الإسلام .... ولعل عثمان – رضي الله عنه – لم يعط الأمور ما تستحقة من اهتمام وحذر واستجابة فوقعت الواقعة واستشهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وانفتحت على المسلمين أبواب الفتنة وقام معاويا ينازع الخليفة الجديد عليا كرم الله وجهه حقه فى الأمر وفى الخلافة ..
وتعددت اتجاهات الصحابة فمنهم من نفض يديه من الخلاف ومنهم من انحاز إلى معاوية ومنهم من وقف إلى جوار عليا صاحب البيعة وخليفة المسلمين ..... ولقد وقف عمار إلى جوار علي بن أبي طالب فعلى خليفة المسلمين وصاحب البيعة بالخلافة وقد أخذ الخلافة وهو لها أهل وبها جدير .
وفرح على يومئذ بنصرته وازداد إيمانا أنه على الحق مادام رجل الحق العظيم " عمار " قد أقبل عليه وسار معه .
وجاء يوم صفين الرهيب
وخرج الإمام على يواجه العمل الخطير الذي اعتبره تمردا يحمل هو مسئولية قمعة .... وخرج معه عمار وكان عمار يبلغ من العمر يومئذ ثلاثا وتسعون ...
ثلاث وتسعون عاما ويخرج للقتال .. ؟؟
ويقول أبو عبد الرحمن السلمي : " شهدنا مع على رضي الله عنه ( صفين ) فرأيت عمار بن ياسر رضي الله عنه لا يأخذ فى ناحية من نواحيها ولا واد من اوديتها إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم " .
وكان عمار يجول فى المعركة ويصول ويؤمن أنه واحد من شهدائها وقد كانت نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام تأتلق أمام عينية بحروف كبيرة " تقتل عمار الفئة الباغية "
من أجل هذا كان صوته يجلجل فى أفق المعركة بهذه التغريدة :" اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه "
ولقد حاول رجال معاويةأن يتجنبوا عمار ما استطاعوا حتى لا تقتله سيوفهم فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية ولكن شجاعة عمار الذي كان يقاتل وكأنه جيش وحده أفقدتهم صوابهم فأخذ بعض جنود معاوية يتحينون الفرصة لأصابته حتى إذا تمكنوا منه أصابوه ...
وشاع فى الغداة خبر مقتل عمار وعرف الناس الآن من تكون الفئة الباغية وهو فئة معاوية وازداد أصحاب على بهذا إيمانا ....
أما عمار فقد حمله " على " فوق صدره إلى حيث صلى عليه المسلمون معه ثم دفنه فى ثيابه ..
وحين كان تراب قبره يسوى بين يدي أصحابه فوق جثمانه كانت روحه تعانق مصيرها السعيد هناك فى جنات الخلد التي طال شوقها لعمار .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.