الأحد، 25 أغسطس 2013

قصة نبي الله صالح عليه السلام

قصة نبي الله صالح عليه السلامهو نبي الله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد ابن ثمود ، وهو من قوم ثمود -الذين يسكنون الحجر الواقعة بين الحجاز وتبوك- ، وأمة ثمود جاءت بعد أن أهلك الله عاد ، ولذلك قال لهم نبيهم صالح : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} (سورة الأعراف) .
أرسل الله صالحاً إلى ثمود ؛ يدعوهم إلى التوحيد ونبذ عبادة الأصنام والأنداد، فقال لهم { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (سورة الأعراف) . ولكن قوم ثمود ردوا على نبيهم صالح دعوته بل سخروا منه فقالوا له : { يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} (سورة هود) . فتهكموا به وقالوا له : كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة .
وقد ذكر المفسرون أن ثمودَ اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم صالح عليه السلام وذكرهم بالله ووعظهم ، فطلبوا منه على وجه التعنت والسخرية والتحدي أن يخرج لهم من صخرة عظيمة ناقة عظيمة وذكروا من صفاتها كيت وكيت، وأشاروا إليها، فقال لهم صالح عليه السلام إن أنا أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به . قالوا: نعم . فأخذ منهم العهود والمواثيق على ذلك، ثم دعا ربه عز وجل ، فاستجاب الله له، وأخرج من تلك الصخرة التي أشاروا إليها ناقة عظيمة حسب ما طلبوا، فآمن منهم من آمن وكفر أكثرهم . وقال لهم نبيهم صالح : { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أليم} (سورة الأعراف) . وقال لهم أيضاً : { قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(155)وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (سورة الشعراء) . فأمرهم نبيهم صالح أن لا يمسوا هذه الناقة بسوء، فهي آيه من آيات الله ، وقال لهم إن لها شرب يوم ترد الماء ولا يشرب الماء معها أحد من دوابكم، وفي اليوم الآخر تدّر عليهم لبناً يكفيهم كلهم .
ولكن أهل الريب والفساد لم يرتضوا ذلك، حيث سعى تسعة رجال في المدينة يدعون إلى عقرها والتخلص منها ، وتقاسموا وتحالفوا على قتل صالح عليه السلام : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(48)قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(49)وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(50)} (سورة النمل) . فكفاه الله شرهم وأهلكهم .
وانبعث أشقى القوم وهو قدار بن سالف ، وكان عزيزاً منيعاً في قومه ، ولكنه شقي بعقره الناقة، قال عبد الله بن زمعة رضي الله عنه، خطب النبي صلى الله عليه وسلم يومأ وذكر الناقة والذي عقر فقال النبي صلى الله عليه وسلم { إذ انبعث أشقاها }( سورة الشمس ) انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة .. الحديث ) ( ) . قال تعالى : { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} (سورة القمر) . وقال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11)إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا(12)فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(13)فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(14)وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15)} (سورة الشمس) . ومن عتوهم وجبروتهم تحدوا صالحاً عليه السلام أن يأتي ربه بالعذاب الذي حذرهم وخوفهم منه ، قال تعالى : { فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (سورة الأعراف). فقال لهم نبي الله صالح : { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (سورة هود) .
قال ابن كثير : فلما اشرقت الشمس –أي شمس اليوم الثالث- جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس وسكنت الحركات وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق ، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها { أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} (سورة هود) . والحمد لله رب العالمين .

السبت، 24 أغسطس 2013

قصة شعيب عليه السلام

قصة نبي الله وخطيب الأنبياء شعيب عليه السلام

كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون مدينتهم مدين التي هي قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز قريباً من بحيرة قوم لوط (البداية والنهاية) . وكانوا كفاراً يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك، وكانوا يبخسون المكيال والميزان ويطففون . حتى بعث الله فيهم رجلاً منهم وهو شعيب عليه السلام ، فدعاهم إلى التوحيد ، وترك القبائح، وعدم ظلم الناس . قال تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(85)وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86)} (سورة الأعراف) . فدعاهم إلى التوحيد، وأمرهم بالعدل وعدم بخس الناس حقهم، ونهاهم عن قطع الطريق الحسية الدنيوية والمعنوية الدينية، وذكرهم بنعمة الله عليهم أن كثرهم من قلة .
ولكن كعادة الأمم الظالمة، والقرون السالفة، كذبوا نبيهم واستهزءوا به ، { قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (سورة هود) . وذلك على سبيل الاستهزاء والتنقص والسخرية . فأجابهم شعيب عليه السلام : { قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (سورة هود) . فبين لهم أنه على يقين من أمر ربه وأنه مرسل إليهم ، وأنه إن أمرهم كان هو أول من يأتمر ، وإن نهاهم عن شيء كان هو أول من ينتهي . ثم ذكّرهم بحال الأمم المكذبة قبلهم وما حل بهم من النكال والعذاب لما خالفوا رسل ربهم ، فقال : { وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ ببعيد } (سورة هود) . أي : لا يكن بغضكم لي يحملكم علىمخالفة أمر الله، فإن قوم نوح وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، كذبوا رسل الله، وعاندوهم، ونابذوهم ، فحل عليهم العذاب الأليم . ثم دعاهم إلى الرحمن الرحيم، وفتح لهم باب التوبة والمغفرة ليعودوا : { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ(90)} (سورة هود) . ولكن عاندوا وكابروا، وقالوا: { يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ(91)} ( سورة هود ) أي: لا نعقل كلامك ولا نفهمه ولا نحبه، ولا نريده ، وأنت ضعيف عندنا، ولولا قبيلتك وعشريتك لرجمناك. {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92)}سورة هود فرد عليهم: أتخافون من قبيلتي وعشيرتي ولا تخافون من الله، ثم توعدهم فقال: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ(93) } (سورة هود) .
ثم لما استحقوا العقاب والعذاب، جمع الله لهم صنوفاً من العذاب، لأنهم جمعوا صنوفاً كثيرة من الأفعال القبيحة والشنيعة ، فأخذوا بعذاب الظلة كما في سورة الشعراء : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(189)} (سورة الشعراء) . ثم عذبوا بالرجفة التي زلزت الأرض من تحتهم وأزهقتهم كما في سورة الأعراف قال تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(78)} (سورة الأعراف) . ثم عذبوا بالصيحة : { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(94)} (سورة هود) وهي صيحة عظيمة أخمدت الأصوات .. قال ابن كثير: أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى إليهم منها شرراً من نار ولهباً ووهجاً عظيماً ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم .. (تفسير بن كثير) .فبعداً للقوم الظالمين .

الخميس، 22 أغسطس 2013

نبي الله يونس عليه السلام

قصة نبي الله يونس عليه السلام

** صاحب الحـــــوت:-
بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى التوحيد، وإلى عبادة الله وحده، ولكنهم كعادة الأمم قبلهم ، كذبوا رسولهم ، وكفروا به، فخرج غاضباً من عندهم ووعدهم أن يحل بهم العذاب بعد ثلاث .
ولما خرج من عندهم غاضباً ، أوقع الله في أنفسهم التوبة والإنابة ، وندموا على ما كان منهم، فخرجوا وقد لبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، وعجوا بالدعاء إلى الله وتضرعوا، فلا تسمع إلا دعاء ونداء وبكاء، ولا تسمع إلا رغاء الإبل، وخوار البقر،وثغاء الغنم.. ولما رأى الله عز وجل حالهم ذلك، رأف بهم ، وكشف عنهم العذاب، الذي قد انعقد سببه . قال تعالى :{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } ( سور يونس ).
وأما يونس عليه السلام فإنه لما خرج غاضباً بسبب قومه ، ركب سفينة في البحر ، فاضطربت وماجت بهم ، وثقلت بمن فيها ، وكادوا يغرقون ، فاتفقوا على أن يجروا قرعة ، فمن وقعت عليه يلقونه في البحر ، فوقعت القرعة على يونس، ولما هم بإلقاء نفسه في البحر، أعادوا القرعة فخرجت الثانية عليه، ثم أعادوا القرعة مرة ثالثة، وفي كل مرة تقع عليه ، فلم يرَ يونس عليه السلام بداً من إلقاء نفسه، لأمر قدره الله عز وجل . ولما ألقى يونس نفسه في البحر، أوحى الله إلى حوت أن يلتقمه ولا يهشم له عظماً ولا يأكل له لحماً فليس له برزق . قال تعالى : { وإن يونس لمن المرسلين . إذا أبق إلى الفلك المشحون . فساهم فكان من المدحضين .فالتقمه الحوت وهو مليم } ( سورة الصافات ). فمكث يونس في بطن الحوت مدة الله أعلم بها وكان تسبيحه : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجاب الله له : { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } ( سورة الصافات ) . قال صلى الله عليه وسلم : (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ) (رواه الترمزى وأحمد) .
فأوحى الله إلى الحوت أن يقذفه إلى البر، وأنبت عليه من شجرة اليقطين أي القرع، كي يعوضه السقم الذي أصابه من مكثه في الحوت ، قال تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم . وأنبتنا عليه شجرة من يقطين }( سورة الصافات ) . ثم أرسله الله إلى قوم عدتهم مائة ألف أو يزيدون . فآمنوا جميعهم ، فضلاً من الله وكرامه .
والحمد لله أولاً وآخراً . والصلاة والسلام على محمد وآله .

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

قصة سيدنا موسى كليم الله

قصة سيدنا موسى كليم الله
هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .
أول أمره رؤيا رآها فرعون، فقد رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل ، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والسحرة، وسألهم عن رؤياه، فقالوا له : هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه ، ثم إن فرعون أمر بقتل كل غلام يولد لبني إسرائيل . فجعل هناك قوابل ورجال يدورون على نساء بني إسرائيل ويعلمون ميقات وضع الحوامل ، فإن كان ذكراً قتل ، وإن كانت أنثى تركت .
وكان بنوا إسرائيل مسخرين لخدمة فرعون والأقباط، ومع استمرار قوم فرعون في قتل الذكور، خشي الأقباط إن هم قتلوا كل مولود ذكر، أن لا يجدوا من يخدمهم ، ويتولوا هم القيام بالأعمال التي كان يقوم بها بنو إسرائيل . ولذلك شكوا إلى فرعون ذلك الأمر، فأمر فرعون بقتل الذكور سنة، وأن يترك قتلهم سنة . فولد هارون بن عمران في عام المسامحة ، وفي عام القتل حملت أم موسى بموسى، فخافت عليه، ولكن الله إذا قدر أمراً كان ، فلم يظهر على أم موسى مخايل الحمل، ولما وضعت أُلهمت بأن تضع ابنها في تابوت، وتربطه بحبل، وكانت دارها متاخمة للنيل ، فكانت ترضعه، وإذا قضى رضاعه أرسلت التابوت وطرف الحبل عندها، خشية أن يباغتوها رجال فرعون . ثم إنها ظلت على ذلك فترة من الزمن ، فأوحى إليها ربها أن ترسل الحبل : { وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } (سورة القصص الآية 7) . ولك أن تتأمل كيف تُلقي أم بولدها في النهر تتقاذفه المياه من كل جانب، ولكن هي مشيئة الله وإرادته، وأخبر الله أم موسى أن لا تخاف عليه من الضيعة أو الموت ، وأن لا تحزن عليه، فإنه راجعٌ إليك، وفوق ذلك بشارة وأعظم بشارة ، أنه سيكون من الأنبياء المرسلين الذين لهم شأن .
فاستجابت أم موسى لأمر ربها ، وأرسلت وليدها في التابوت تجرفه المياه حتى وقف على قصر فرعون ، والتقطه الجواري وذهبوا به إلى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فلما رأته ألقى الله في قلبها محبته، وكان لا يأتيها الولد، وقالت لفرعون : { قرت عين لي ولك لاتقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون }(سورة القصص الآية 9) . فقال فرعون : أما لك فنعم، أما لي فلا حاجة لي به . ولما استقر مقام موسى في بيت فرعون ، لم تصبر أم موسى على فراق ابنها ، وأرسلت أخته تقص خبره ولتعلم مكانه ، وكادت أن تبدي أم موسى بأمرها، ولكن الله ثبتها، { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين }(سورة القصص الآية 10) .
ولكن الله لا يخلف وعده بقوله { إنا رادوه إليك } ، فحرمت المراضع على موسى، فلم يقبل أن يرتضع من أحد ، ولم يقبل ثدياً ، وخافت امرأة فرعون عليه الهلاك، وأرسلته إلى السوق لعلهم يجدون له مرضعاً، فجاءتهم أخت موسى وقالت لهم : { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون }(سورة القصص الآية 12) . فذهبوا معها إلى منزلها، فأخذته أم موسى ووضعته في حجرها وألقمته ثديها فأخذ يرتضع منها، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً ، فأخبروا آسية بذلك ففرحت، وأرسلت في طلب أم موسى، وعرضت عليها أن تكون عندها ترضع موسى، فاعتذرت بأن لها بيتاً وأولاد وزوج، وقالت لها: أرسليه معي ، فوافقت آسيه على ذلك ، ورتبت لها رواتب ونفقات وهبات، فعادت أم موسى بابنها ، وبرزق مستمر يأتيها من امرأة فرعون .
و شب موسى ، وبلغ مبلغ الرجال، وكان الله قد آتاه قوة في الجسم ، ثم إنه دخل المدينة في وقت غفلة فوجد رجلين يقتتلان أحدهما قبطي ، والآخر من بني إسرائيل، فطلب الإسرائيلي من موسى النصرة والنجدة، فبادر موسى لنصرته ، فضرب القبطي ضربة قتلته، وعلم موسى أن هذا العمل من فعل الشيطان فتاب إلى ربه واستغفره من هذا الذنب، فتاب الله عليه ، ثم إنه من الغد دخل المدينة فوجد ذلك الرجل الإسرائيلي يقتتل مع قبطي آخر ، وناداه واستغاث به، فقال له موسى، إنك لغوي مبين، فأراد موسى أن يبطش بالقبطي ، فخاف الإسرائيلي وظن أن موسى سيبطش به فقال : { ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين }(سورة القصص الآية 19) . فلما سمع القبطي بذلك الأمر ذهب مسرعاً يخبر الناس بمن قتل القبطي الآخر ، فخرج الناس مسرعين يريدون موسى، وجاء رجل قد سبقهم ، ينذر موسى بما أضمروا له، وأشار عليه بالخروج من المدينة لينجو بنفسه ، {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين(21)ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}(سورة القصص الآية 22) .
خرج موسى من أرض مصر خائفاً من بطش فرعون وقومه، لا يعرف أن يذهب؛ لكن تعلق قلبه بمولاه : {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني إلى سواء السبيل } . فهداه الله إلى أرض مدين، فبلغ ماء مدين، ووجد الرعاء يسقون، ولاحظ وجود امرأتين تردان غنمهما أن يردا مع غنم القوم . قال المفسرون : وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجيء هاتان المرأتان فتوردان غنمهما في فضل أغنام الناس .
فلما ذهب الرعاء قال لهم موسى ما شأنكما ؟ فأخبراه أنهما لا تقدران على ورود الماء حتى يذهب الرعاء، وأبوهما شيخ كبير وهم نسوة ضعفاء . ولما عرف حالهما ، رفع موسى الحجر عن البئر ، وكان لا يرفعه إلا عشرة من الرجال، : { فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير }(سورة القصص الآية 24) .
ثم مالبث أن جاءته إحدى المرأتين وقالت : { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } (سورة القصص الآية 25) فذهب موسى وكلم أبوهما شعيب ،وطمأنه بأنه في أرض ليست لفرعون عليها سلطة ، وتكلمت إحدى المرأتين ، وقالت : {ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}(سورة القصص الآية 26) . أما القوة فظاهر ، وذلك أن موسى عليه السلام رفع الحجر من فم البئر، حيث كان لا يستطيع رفعه إلا عشرة من الرجال، وأما الأمانة: فإن المرأة لما جاءته ليأخذ أجره من أبيها، قال لها لا تمشي أمامي ، وامشي خلفي ، وأمرها بأن ترمي الحجر يميناً وشمالاً لتدله على الطريق .
وعرض عليه شعيب أن يستأجره لرعي الغنم ثمانية أعوام وإن زاد عشرة فهو فضل من موسى، على أن يزوجه إحدى ابنتيه . فوافق موسى عليه السلام، وأتم له عشرة أعوام .
ولما قضى الأجل سار موسى بأهله قاصداً أرض مصر، وكان له موعد تشريف ، حيث امتن الله عليه وأكرمه بالرسالة، وكلمه ربه : {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ءانس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون(29)فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين(30)وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين(31) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون(33)وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون(34)قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون(35) } (سورة القصص) .
فكلمه ربه، وأرسله إلى بني إسرائيل، وأعطاه آيات وبراهين، من رآها علم أنها ليست في مقدور البشر . فكانت عصا موسى تنقلب حية عظيمة ، وحلّ عقدة من لسانه حتى يفقهوا عن موسى قوله وقد كان في لسانه لثغة ، ثم أجاب الله سؤال موسى أن يرسل إلى هارون ويجعله وزيراً معيناً لمواجهة فرعون وقومه، فأجاب الله موسى إلى ما سأل، وهذا دليل على وجاهة موسى عند ربه : { وكان عند الله وجيهاً } .
ثم أمر الله موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون ، ويدعونه إلى التوحيد، قال تعالى : {اذهبا إلى فرعون إنه طغى(43)فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى(44)قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى(45)قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى(46)فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى} (سورة طه) . وأظهر موسى عليه السلام لفرعون الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه، فلم يستجب بل كابر وعاند، ثم أظهر موسى له الآيات الباهرة، فأظهر يده بيضاء شديدة البياض، وألقى العصى فكانت حية تسعى ترهب كل من رآها . ومع ذلك كله ، لم يستجب فرعون وقومه واتهموه بالسحر، وطلبوا موعداً ليقابلوا سحرهما بسحر مثله ، فأجاباهما إلى طلبهم وواعداهما يوم الزينة وهو يوم عيد لهم حيث يجتمع الناس كلهم ، ولما جمع فرعون السحرة قال لهم : {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى(63)فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى(64) قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى(65)قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(66)فأوجس في نفسه خيفة موسى(67)قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى(68)وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى(69)فألقي السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى(70)قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى(71)قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا(72)إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى(73)} ( سورة طه ) قال ابن عباس وغيره : أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء
ولما خاب ما كان فرعون يؤمله من قهر السحرة لموسى، حيث آمن السحرة كلهم لما رأوا آية ليست من جنس السحر، عندئذ، توعدهم فرعون بالقتل والصلب، فقتلهم وأفناهم . وحرض رجال فرعون ، ملكهم فرعون على موسى ومن معه ، { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك . قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون (127). قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين(128) . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا . قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون(129) } ( سورة الأعراف ) . واستمرت أذية فرعون وقومه ، لموسى وقومه، فانتصر الله لموسى فابتلى فرعون وقومه بأنواع من العذاب ، فابتلاهم بالسنين وهي الأعوام التي ليس فيها زرع ولا ينتفع بضرع، ثم ابتلاهم بالطوفان وهو كثرة الأمطار المتلفة للزروع، ثم ابتلاهم بالجراد الذي ذهب بزروعهم ، ثم ابتلاهم الله بالقمل الذي نغص عليهم حياتهم فدخلت عليهم بيوتهم وفي فرشهم . ثم ابتلاهم الله بالدم، فكانوا كلما اغترفوا ماء تحول دماً عبيطاً فلم يهنئوا بماء عذب . ثم ابتلاهم الله بالضفادع، فملأت عليهم بيوتهم ، فلا يكشفوا إناء إلا وبه من الضفادع، فتنكد عيشهم بذلك .
وكانوا كلما ابتلوا ببلوى سألوا موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم العذاب، وإن فعل ليؤمنوا له ويرسلوا معه بني إسرائيل . وكان موسى يدعو ربه في كل مرة يسألونه ذلك، وكان الله يستجيب دعاء نبيه ورسوله .
ولما تمادى فرعون وقومه في الضلال والغي، وكفرهم بالله، ومخالفة لرسوله . أوحى الله إلى موسى أن يكون هو وبنو اسرائيل على أهبة الرحيل، وأن يجعلوا في بيوتهم علامة تميزهم عن بيوت الأقباط، ليعرفوا بعضهم عند الرحيل ، وأمرهم الله بإقامة الصلاة { وأوحينا إلى موسى أن تبوءآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين } ( سورة يونس الاية 87 ) . ولما رأى موسى أن قوم فرعون يزدادون عتواً وعناداً دعا عليهم وأمن هارون على دعائه فقال :{ ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم( 88 ) . قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون(89) } ( سورة يونس).
فأمر الله موسى وقومه بالخروج ، واحتالوا على فرعون بأنهم يريدون أن يخرجوا لعيد لهم، فأذن لهم فرعون وهو كارهٌ لذلك ، واستعاروا حلياً من الأقباط،. فسار موسى ببني اسرائيل واستمروا ذاهبين صوب بلاد الشام، ولما علم فرعون بمسيرهم ، حنق عليهم حنقاً شديداً ، وجمع جيشه من كل مملكته، وخرج على رأسهم في جيش عظيم جداً طالباً موسى وقومه ، يريد الفتك بهم وإفنائهم . واستمروا في سيرهم طالبين موسى وقومه حتى أدركوهم عند شروق الشمس، ولما رأى بنوا اسرائيل فرعون وقومه مقبلين نحوهم قالوا : { إنا لمدركون } وقال موسى من فوره مقالة الواثق بربه، { كلا إن معي ربي سيهدين }( سورة الشعراء) . وأوحى الله لموسى أن يضرب بعصاه البحر ، فانفلق البحر اثنا عشر طريقاً ، وكان بنوا اسرائيل اثنا عشر سبطاً ، فسار كل سبط في طريق، ورفع الله الماء كالجبل يابساً ، ولما وصل فرعون إلى البحر ، ساءه ما رأى ، وأخذته الحمية، ودفع بفرسه داخل البحر يريد أن يدرك موسى، ولما تكامل موسى وقومه خارجين من البحر، وتكامل فرعون وقومه في البحر، أمر الله البحر فأطبق الماء على فرعون وقومه وأغرقهم جميعاً ، ولما رأى فرعون الموت قال { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين }( سورة يونس الاية 90) قال الله : { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين(91) . فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية(92) }( سورة يونس ) . فأخرج الله جثة فرعون لكي يراه الناس ويتيقنوا هلاكه . فلله الحمد والمنة .
وقال تعالى : {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين(136)وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون(137)وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم ءالهةقال إنكم قوم تجهلون(138)إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون(139)قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين(140)وإذ أنجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } (سورة الاعراف) . وبعد رأى بنو اسرائيل هذه الآية العظيمة بهلاك فرعون وقومه، مروا على قوم عاكفين على أصنام يعبدونها، فسألهم بعضهم عن ذلك، فقالوا: إنها تجلب النفع والضر والرزق والنصر، فعندئذ سأل بعض بني اسرائيل نبيهم موسى أن يجعل لهم آلهة مثل أولئك، فعنفهم موسى على ذلك . وتوجه موسى ببني اسرائيل قاصداً بيت المقدس، وكان فيها قوماً من الجبارين ، وكان الله قد وعدهم دخول بيت المقدس، فأمر بني اسرائيل دخولها، وقتال أهلها، فنكل أكثرهم وتبجحوا في الجواب . فقال لهم موسى : {ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين(21)قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون(22)قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين(23)} والعجب أن بني اسرائيل قد عاينوا هلاك فرعون وقومه وهم أشد بأساً وأكثر جمعاً، والذي أهلك فرعون وقومه، قادرٌ على أن يهلك من هو دونه ، ولكن تلك عادة أولئك القوم قتلة الأنبياء . { قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون(24)} وبئس القول الذي صدر منهم . فعندئذ قال موسى عليه السلام {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين(25)} قال ابن عباس : أي اقض بيني وبينهم . فقال تعالى : { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين(26)}(سورة المائدة). فضرب على بني اسرائيل التيه في الصحراء أربعين سنة عقوبة لهم ، فكانوا يسيرون ليلاً ونهاراً إلى غير مقصد أربعين سنة .
وكان شرابهم ماءً زلالاً طيب حيث يضرب موسى عليه السلام الحجر بعصاه فينبع منها ماء طيب، {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين(60)}( سورة البقرة ). وكان طعامهم المن والسلوى ،وهو طعام ينزل عليهم من السماء فيصنعون منه الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة، فيأخذون منه على قدر حاجتهم، ومن أخذ زيادة فإنه يفسد، وإذا كان آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منه بلا كلفة، وفي الصيف يظللهم غمام يقيهم حر الشمس رحمة من الله بعباده {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (سورة البقرة الاية 57) . ولكنهم وكعادتهم ، لم يعجبهم ذلك وطلبوا من موسى الطعام الخارج من الأرض فقالوا : {وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها}( سورة البقرة الآية 61 ) فقال لهم موسى: { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}( سورة البقرة الآية 61 ).
ثم إن موسى عليه السلام أراد لقاء ربه ، فأمره الله بصيام ثلاثين يوماً ، ثم أمره الله أن يصوم عشرة أيام أخرى، فصامها. قال تعالى : {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين(142)ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما ءاتيتك وكن من الشاكرين} ( سورة الأعراف ) . ولما نال موسى عليه السلام شرف كلام الرب، طمع في رؤية ربه ، وسأله الرؤية، فبين له ربه أنه لا يقدر في هذه الدنيا على رؤيته، وأراه تجليه للجبل، وكيف كان بعد ذلك، فلم يحتمل موسى هذا التجلي ولم يقو على رؤيته فصُعق . ثم تاب موسى إلى ربه من مسألته تلك، وأكرم الله موسى بأن كتب له التوراة : {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين}( سورة الاعراف الآية 145 ). وفي الفترة التي كان موسى بجانب الطور يناجي ربه، أحدث بني اسرائيل حدثاً خالفوا به أمر ربهم ، فماكان من رجل يقال له السامري إلا أن زين لهم أن يجمعوا حليهم فصاغ منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة من تراب كان قد أخذها من أثر فرس جبريل لما رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه، فأحدث ذلك العجل صوت كخوار العجل الحقيقي، ففتنوا به ، فذكرهم هارون ، وحذرهم، ولكنهم لم يلقوا له بالاً ، وقالوا هذا إلهنا حتى يرجع إلينا موسى .
ثم أعلم الله رسوله بما أحدث بني اسرائيل بعده ، قال تعالى : { وما أعجلك عن قومك ياموسى(83)قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى(84)قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري(85)فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي(86) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري(87) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي(88)أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا(89)ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري(90)قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى(91)قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا(92)ألا تتبعن أفعصيت أمري(93) قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي(94)قال فما خطبك ياسامري(95)قال بصرت بما لم يبصروا به} أي : رأيت جبرائيل وهو راكب على فرس{ فقبضت قبضة من أثر الرسول} أي من أثر فرس جبريل { فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي(96)قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} فدعا عليه موسى بأن لا يمس أحداً معاقبة له على مسه مالم يكن له مسه ، وذلك في الدنيا { وإن لك موعدا لن تخلفه } وهذا في الآخرة . {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا(97)}( سورة طه ) . فحرقه موسى عليه السلام ثم نسفه في اليم . ثم إن الله لم يقبل توبة عابدي العجل إلا بقتل أنفسهم ، قال الله تعالى : {وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم }( سورة البقرة 54 ) . قال ابن كثير: فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم ، فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً .
ثم إن موسى عليه السلام خرج بسبعين رجلاً من خيار بني اسرائيل ومعهم هارون ، ليعتذروا عن بني اسرائيل في عبادتهم للعجل ، فخرج بهم إلى طور سيناء فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل ، ثم لما انكشف الغمام ، طلبوا رؤية الله ! { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون} فجعل موسى عليه السلام يناشد ربه ويرغب إليه ليرفع عنهم:{ ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون}( سورة البقرة ) .
ثم ما زال موسى عليه السلام يعلم بني اسرائيل التوراة ، ويعلمهم الحكمة ، فتوفي هارون في التيه ، ثم خلفه بعد ذلك موسى عليه السلام . ولوفاة موسى عليه السلام قصة ، ذكرها البخاري وغيره . فعن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ) (رواه البخارى ومسلم) .

الاثنين، 19 أغسطس 2013

قصة نبي الله داوود عليه السلام

قصة نبي الله داوود عليه السلام
هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر.. ويتصل نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام . قال وهب بن منبه : كان داود عليه السلام قصيراً، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه . مكنه الله من قتل جالوت، كما في سورة البقرة، فعظم في أعين بني إسرائيل، فأحبوه ومالوا إليه، وولوه ملكاً عليهم . فجمع الله له بين الملك والنبوة، بين خير الدنيا والآخرة، قال تعالى : { وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء .. الآية 251} ( سورة البقرة ).
وأنزل الله عليه الزبور، ورزقه الله صوتاً حسناً عظيماً، تسبح معه الجبال والطيور، وأرشده الله وألهمه لصناعة الدروع لمقاتلة الأعداء . قال تعالى : {ولقد ءاتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد} (سورة سبأ الآيه 10) . وقال تعالى : {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب (17) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق(18) والطير محشورة كل له أواب(19) } (سورة ص) . وكان داود عليه السلام يأكل من عمل يده، فكان يصنع الدروع ويبيعها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) (رواه البخارى 2072) .
ووفق الله داود عليه السلام لعبادة يحبها ، فأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام ، قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما) (رواه البخارى ومسلم) . وكان داود عليه السلام مع عبادته، قوياً شديد البأس لا يفر إذا لا قى عدوه (رواه البخارى).
عُمّر داود عليه السلام مائة سنة، يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول من جحد آدم قالها ثلاث مرات إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم عليه فرأى فيهم رجلا يزهر قال أي رب من هذا قال ابنك داود قال كم عمره قال ستون قال أي رب زد في عمره قال لا إلا أن تزيده أنت من عمرك فزاده أربعين سنة من عمره فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه الملائكة فلما أراد أن يقبض روحه قال بقي من أجلي أربعون فقيل له إنك جعلته لابنك داود قال فجحد قال فأخرج الله عز وجل الكتاب وأقام عليه البينة فأتمها لداود عليه السلام مائة سنة وأتمها لآدم عليه السلام عمره ألف سنة) (رواه أحمد 2708) . وكانت وفاته عليه السلام فجأة ، وقد ذكر قصة وفاته الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان داود النبي فيه غيرة شديدة وكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة والله لتفتضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار فقال له داود من أنت قال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء فقال داود أنت والله ملك الموت فمرحبا بأمر الله فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس فقال سليمان للطير أظلي على داود فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض فقال لها سليمان اقبضي جناحا جناحا قال أبو هريرة يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلبت عليه يومئذ المصرخية) (رواه أحمد (9148) وقال ابن كثير في البداية والنهاية : انفرد بإخراجه الإمام أحمد، وإسناده جيد قوي، رجاله ثقات . (2/21)) . وقوله وغلبت عليه يومئذ المصرخية : أي وغلبت على تظليله الصقور الطوال الأجنحة .

الأحد، 18 أغسطس 2013

قصة زكريا ويحيي عليهما السلام

قصة زكريا ويحيي عليهما السلام
زكريا عليه السلام نبي كريم، بلغ مع زوجه من الكبر عتياً، ولم يرزق بولد، وكان قد دعا ربه فقال : { قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً (4) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً (5) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً (6) }( سورة مريم ) . فسأل الله الولد الذي يرثه في النبوة وليست وراثة المال، ولذلك قال: { ويرث من آل يعقوب} . وآل يعقوب تميزوا بالنبوة وليس بكثرة العرض . وكان زكريا عليه السلام قد كفل مريم أم عيسى عليهما السلام، فتعجب من حالها، فكان يرى عندها فاكهة الشتاء في فصل الصيف، وفاكهة الصيف في فصل الشتاء، فسألها عن ذلك فقال : { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}( سورة آل عمران ) . فتوجه زكريا عليه السلام بالدعاء إلى ربه فقال : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء }. فطلب من ربه ذرية طيبة ، وكذلك المسلم يسأل ربه الذرية وليس ذرية فقط وإنما ذرية طيبة . فاستجاب الله له، ونادته الملائكة ، قال تعالى : { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } وهنا ملحظ عجيب، وهو أن زكريا عليه السلام مع دعائه ربه وسؤاله الولد، لم ينقطع عن العبادة والتوجه إلى ربه، فجاءته البشرى وهو في محراب صلاته ، { أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين }( سورة آل عمران ) . فوصفه الله بأنه سيد، أي : الشريف الكريم، ( وحصوراً) : أي مترفعاً عن الفواحش والقاذورات . فطلب زكريا من ربه علامة على تحقق هذه البشارة، وليس هو اعتراضاً أو تكذيباً بخبر الله، وإنما هو من باب طمأنينة القلب، كما قال إبراهيم عليه السلام { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.. الآية260 }( سورالبقرة ) . فكانت العلامة أن يمنع زكريا عليه السلام عن الكلام مدة ثلاثة أيام قال تعالى :{ قال رب اجعل لي ءاية قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا(10)فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا(11)} ( سورة مريم ) . فوهب الله لزكريا يحيى ، وآتاه الله الحكم في الصبا ، { يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً } . وكان يحيى باراً بوالديه قال تعالى : { وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا(13)وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا( 14 ) وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا(15)} ( سورة مريم ).
قال ابن كثير: واختلفت الرواية عن وهب بن منبه، هل مات زكريا عليه السلام موتاً أو قتل قتلاً على روايتين (البداية والنهاية (2/62)) .
وأما يحيى عليه السلام فقد ذُكر في سبب قتله أسبابٌ من أشهرها : أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها فيقال إنها هلكت من فورها وساعتها (البداية والنهاية (2/64)) .

السبت، 17 أغسطس 2013

سميرة موسى

سميرة موسى


 أول عالمة ذرة مصرية عربية ولُقبت باسم ميس كوري الشرق، و هي أول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً).
وُلدت سميرة موسى في 3 مارس 1917، بقرية سنبو الكبرى ـ مركز زفتى بمحافظة الغربية، حيث تعلمت منذ الصغر القراءة والكتابة، وحفظت أجزاء من القرآن الكريم، كما كانت مولعة بقراءة الصحف وتتمتع بذاكرة قوية تؤهلها لحفظ الشيء بمجرد قراءته.
وبعد انتقالها مع والدها إلى القاهرة، التحقت بمدرسة "قصر الشوق" الابتدائية ثم بـ "مدرسة بنات الأشراف" الثانوية الخاصة والتي قامت على تأسيسها وإدارتها "نبوية موسى" الناشطة النسائية السياسية المعروفة.
في عام 1932 ألفت سميرة كتاباً في تبسيط مادة الجبر لزميلاتها في الدراسة، وهي في الصف الأول الثانوي، وحصلت على المركز الأول في شهادة البكالوريا على مستوى القطر المصري في عام 1935.
التحقت بالجامعة وتخرجت في كلية العلوم في عام 1939، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، واعترضت إدارة الجامعة على تعيينها معيدة، حيث لم يكن تقرر بعد تعيين المرأة في هيئة التدريس بالجامعة، غير أن الدكتور علي مشرفة ـ أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم ـ أصر على تعيينها وهدد بالاستقالة من الجامعة إذا لم يتم ذلك، فاجتمع مجلس الوزراء وأصدر قراراً بتعيينها في الجامعة.
حصلت على شهادة الماجستير من القاهرة في موضوع بعنوان "التواصل الحراري للغازات" بامتياز، ثم سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه في "الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة" وكانت مدة البعثة ثلاث سنوات، لكنها استطاعت أن تحصل على الدكتوراه في أقل من عامين، فكانت أول امرأة عربية تحصل على هذه الدرجة، وأطلقوا عليها اسم "مس كوري المصرية"، واستغلت الفترة المتبقية من بعثتها في دراسة الذرة وإمكانية استخدامها في الأغراض السلمية والعلاج.
حصلت على منحة دراسية لدراسة الذرة في الولايات المتحدة عام 1951م بجامعة كاليفورنيا، وأظهرت نبوغاً منقطع النظير في أبحاثها العلمية، وسُمح لها بزيارة معمل الذرة السرية في الولايات المتحدة، وتلقت عروضاً لتحصل على الجنسية الأمريكية، وتبقى في الولايات المتحدة، ولكنها رفضت ذلك، وأكدت أنها سوف تعود إلى مصر.
كان لسميرة موسى مشاركة في الشأن العام في مصر، فشاركت في مظاهرات الطلبة عام 1932، وشاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة التي هدفت إلى محو الأمية في الريف، وكانت عضو في جمعية النهضة الاجتماعية وجمعية إنقاذ الطفولة المشردة.
توفيت سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية في حادث سيارة غامض في الولايات المتحدة في 5 أغسطس 1952م وكان عمرها 35 عاماً.