الأربعاء، 31 يوليو 2013

رملة أم حبيب رضى الله عنها

رملة أم حبيب رضى الله عنها
 زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم 
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم  

نسبها ونشأتها : 

أم المؤمنين، السيدة المحجبة، من بنات عم الرسول- صلى الله عليه وسلم- ، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين محمد- عليه الصلاة والسلام
فأبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين" . وأخيراً، فهي من زوجات الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فليس هناك من هي أكثر كرماً وصداقاً منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها. وهذا دليل على زهدها وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائل
كانت أم حبيبة من ذوات رأي وفصاحة، تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام- الناس في مكة إلى الإسلام، أسلمت رملة مع زوجها في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة؛ هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها، بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة، فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة، وقلة المؤونة، كما أن رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، في حين نرى بأن سفر هذه الأيام سفر راحة ورفاهية، ووسائل النقل المتطورة ساعدت على قصر المسافة بين الدول. وبعد أشهر من بقاء رملة في الحبشة، أنجبت مولودتها "حبيبة"، فكنيت "بأم حبيبة".
 
رؤية أم حبيبة:
في إحدى الليالي، رأت أم حبيبة في النوم أن زوجها عبيد الله في صورة سيئة، ففزعت من ذلك ، وحينما أصبحت، أخبرها زوجها بأنه وجد في دين النصرانية ما هو أفضل من الإسلام، فحاولت رملة أن ترده إلى الإسلام ولكنها وجدته قد رجع إلى شرب الخمر من جديد.
وفي الليلة التالية، رأت في منامها أن هناك منادياً يناديها بأم المؤمنين، فأولت أم حبيبة بأن الرسول سوف يتزوجها. وبالفعل؛ مع مرور الأيام، توفي زوجها على دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أمًّا لطفلة يتيمة في سن الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المرأة المؤمنة غير الصبر والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله- سبحانه وتعالى
 

زواج أم حبيبة:
  
علم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بما جرى لأم حبيبة، فأرسل إلى النجاشي طالباً الزواج منها، ففرحت أم حبيبة ، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد ابن العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام. وبهذا الزواج خفف الرسول من عداوته لبني أمية، فعندما علم أبو سفيان زواج الرسول من ابنته رملة، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه! ويقصد أن الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كما أن في هذا الموقف دعوة إلى مقابلة السيئة بالحسنة، لأنها تؤدي إلى دفع وزوال الحقد والضغينة و صفاء النفوس بين المتخاصمين
أبو سفيان في بيت أم حبيبة:
حينما نقض المشركون في مكة صلح الحديبية، خافوا من انتقام الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح، وفي طريقه إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، مر أبو سفيان على ابنته أم حبيبة في بيتها، وعندما هم بالجلوس على فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- سحبته أم حبيبة من تحته وطوته بعيداً عنه، فقال أبو سفيان: "أراغبة بهذا الفراش يا بنية عني؟ أم بي عنه؟" ، فأجابته: "بل به عنك ، لأنه فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل نجس غير مؤمن"، فغضب منها، وقال: "أصابك بعدي شر"، فقالت: "لا والله بل خير". وهنا نجد بأن هذه المرأة المؤمنة أعطت أباها المشرك درساً في الإيمان، ألا وهو أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب، وأنه يجب علينا عدم مناصرة وموالاة الكفار مهما كانت صلة المسلم بهم، بل يجب علينا محاربتهم ومقاتلتهم من أجل نصرة الإسلام.
لذلك ، جهز الرسول - صلى الله عليه وسلم- المسلمين لفتح مكة، وبالرغم من معرفة أم حبيبة لهذا السر، إلا أنها لم تخبر أباها، وحافظت على سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسر المسلمين. ففتح المسلمون مكة، ودخل العديد من المشركين في دين الله، وأسلم أبو سفيان، فتكاملت أفراح أم حبيبة وشكرت الله على هذا الفضل العظيم. وفي هذا الموقف إشارة إلى أنه يجب على المرأة المسلمة حفظ سر زوجها، وعدم البوح به حتى لأقرب الناس إليها، فهناك العديد من النساء اللاتي يشركن الأهل في حل المشاكل الزوجية، والكثير من هؤلاء النسوة يطلقن بسبب إفشائهن للسر وتدخل الأهل. لذلك يجب على الزوجة الصالحة المحافظة على بيت الزوجية وعدم البوح بالأسرار.
 
دورها في رواية الحديث الشريف: 
روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة،" فعن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له هل لك في أختي بنت أبي سفيان فقال أفعل ماذا قلت تنكحها قال أو تحبين ذلك قلت لست لك بمخلية وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال بنت أم سلمة قلت نعم قال لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" . كذلك حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. كما أنها ذكرت أحاديث في الحج، كاستحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، كما أنها روت في وجوب الإحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها، ووفي أبواب الصوم: روت في الدعاء بعد الأذان، وفي العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها من الأحاديث التي كانت تصف أفعال الرسول- عليه الصلاة والسلام- وأقواله
 
 وفاتها:
توفيت- رضي الله عنها- سنة 44 بعد الهجرة، ودفنت في البقيع، وكانت قد دعت عائشة- أم المؤمنين- قبل وفاتها، فقالت: قد يكون بيننا وبين الضرائر فغفر لي ولك ما كان من ذلك. . فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك ، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لهل: مثل ذلك ، وفي هذا إشارة إلى ما يجب على المسلمين أن يفعلوه قبل ساعة الموت، ألا وهو التسامح والمغفرة، كما فعلت أم حبيبة مع أمهات المؤمنين- رضوان الله عليهن أجمعين

الأحد، 28 يوليو 2013

مارية القبطية

مارية القبطية ( هدية المقوقس )

زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم

مارية القبطية رضي الله عنها

نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم  

قدمت مارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية في سنة سبع من الهجرة. وذكر المفسرون أن اسمها مارية بنت شمعون القطبية، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه و سلم وبين المشركين في مكة، بدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام ، وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتبا إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، واهتم بذلك اهتماماً كبيراً، فاختار من أصحابه من لهم معرفة و خبرة، وأرسلهم إلى الملوك، ومن بين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرويز ملك فارس، المقوقس ملك مصر و النجاشي ملك الحبشة. تلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوا رداً جميلا، ما عدا كسرى .ملك فارس، الذي مزق الكتاب.
لما أرسل الرسول كتاباً إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة، وكان معروفاً بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ حاطب كتاب الرسول صلى الله عليه و سلم إلى مصر وبعد ان دخل على المقوقس الذي رحب به. واخذ يستمع إلى كلمات حاطب، فقال له " يا هذا، إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هو خير منه".
واُعجب المقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهودٍ فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء و الأخبار بالنجوى وسأنظر"
أخذ المقوقس كتاب النبي صلى الله عليه و سلم وختم عليه، وكتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم :
" بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي،
وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما
مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".
وكانت الهدية جاريتين هما: مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين. وفي طريق عودت حاطب إلى المدينة، عرض على ماريه وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام.
وفي المدينة، أختار الرسول صلى الله عليه و سلممارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. كانت ماريه رضي الله عنها بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس عائشة رضي الله عنها، فكانت تراقب مظاهر اهتمام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها. وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة-أو دعجة- فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا" .
 

ولادة مارية لإبراهيم


وبعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمة الزهراء رضوان الله عليها. ولدت مارية في "شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة"، طفلاً جميلاً يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سماه إبراهيم، " تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام" وبهذه الولادة أصبحت مارية حرة .
وعاش إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه و سلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، " وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية حزناً شديداً على موت إبراهيم.
 

مكانة مارية في القرآن الكريم:
 
لمارية رضي الله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية. "أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم". وقد توفي الرسول عنها صلى الله عليه و سلم وهو راض عن مارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر، وعدت من أهله، وكانت مارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول صلى الله علية وسلم، كما عرفت بدينها وورعها وعبادتها.
 
وفاة مارية
 
عاشت مارية ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في السنة السادسة عشر من محرم. دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها . فاجتمع عدد كبير من الصحابة من الهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مارية القبطية، وصلى عليها سيدنا عمر رضي الله عنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم.
 
الخاتمة
في نهاية المطاف أتمنى من المولى عز و جل أن أكون قد وفقت في كتابة هذا الموضوع . حيث إني دونت فيه عن الهدية الرائعة التي وهبها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه و سلم . ومكانة هذه السيدة العظيمة في القرآن الكريم ولحظة ولادتها لإبراهيم الذي كان مثار محبة النبي صلى الله عليه و سلم ، وكلي أمل في أن يحقق عرض هذا الموضوع الفائدة المرجوة منه .   

السبت، 27 يوليو 2013

ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها

ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها

زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم  

نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم 

آخر أمهات المؤمنين - رضي الله عنها 

 اسمها ونسبها:

هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن جبير بن الهزم بن روبية بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية. فأما أمها كانت تدعى هند بنت عوف بن زهير بن الحرث، وأخواتها: أم الفضل (لبابة الكبرى) زوج العباس رضي الله عنهما، و لبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومي وأم خالد بن الوليد، وعصماء بني الحارث زوج أُبي بن الخلف، وغرة بنت الحرث زوج زياد بن عبدالله بن مالك الهلالي .. وهؤلاء هن أخواتها من أمها وأبيها. أما أخواتها لأمها فهن: أسماء بنت عميس زوج جعفر رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها علي كرم الله وجه. وسلمى بنت عميس زوج حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، ثم ملت فخلف عليها شداد بن أسامة بن الهاد. وسلامة بنت عميس زوج عبدالله بن كعب بن عنبة الخثعمي.

ولهذا عُرفت أمها هند بنت عوف بأكرم عجوز في الأرض أصهاراً، فأصهارها: أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين. وتلك فضائل حسان، فهل فوق ذلك من أسمى وأفخر من هذا النسب الأصيل والمقام الرفيع...؟؟!!
  أزواجها قبل الرسول صلى الله عليه وسلم:

كان زواجها رضي الله عنها أولاً بمسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها وتزوجها أبو رهم بن عبدالعزى. فتوفي عنها وهي في ريعان الشباب. ثم ملأ نور الإيمان قلبها، وأضاء جوانب نفسها حتى شهد الله تعالى لها بالإيمان، وكيف لا وهي كانت من السابقين في سجل الإيمان. فحظيت بشرف الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة 7 للهجرة.


همس القلوب وحديث النفس:

وفي السنة السابعة للهجرة النبوية، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة معتمرين، وطاف الحبيب المصطفى بالبيت العتيق بيت الله الحرام. وكانت ميمونة بمكة أيضاً ورأت رسول الله وهو يعتمر فملأت ناظريها به حتى استحوذت عليها فكرة أن تنال شرف الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تصبح أماً للمؤمنين، وما الذي يمنعها من تحقيق حلم لطالما راودتها في اليقظة والمنام وهي التي كانت من السابقين في سجل الإيمان وقائمة المؤمنين؟ وفي تلك اللحظات التي خالجت نفسها همسات قلبها المفعم بالإيمان، أفضت ميمونة بأمنيتها إلى أختها أم الفضل، وحدثتها عن حبها وأمنيتها في أن تكون زوجاً للرسول الله صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين، وأما أم الفضل فلم تكتم الأمر عن زوجها العباس فأفضت إليه بأمنية أختها ميمونة، ويبدو أن العباس أيضاً لم يكتم الأمر عن ابن أخيه فأفضى إليه بأمنية ميمونة بنت الحارث. فبعث رسول الله ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها له، وما أن خرج جعفر رضي الله عنه من عندها، حتى ركبت بعيرها وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن وقعت عيناها عليه صلى الله عليه وسلم حتى قالت: "البعير وما عليه لله ورسوله".

 ميمونة في القرآن الكريم:


وهكذا وهبت ميمونة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وفيها نزل قوله تعالى: (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)).
لقد جعلت ميمونة أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أيضاً أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ميمونة بنت الحارث قد تأيمت من أبي رهم بن عبدالعزى،هل لك أن تتزوجها؟" ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.



 ميمونة والزواج الميمون:


أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة ثلاثة أيام، فلما أصبح اليوم الرابع، أتى إليه صلى الله عليه وسلم نفر من كفار قريش ومعهم حويطب بن عبدالعزى - الذي أسلم فيما بعد- فأمروا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج بعد أن انقضى الأجل وأتم عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة الحديبية. فقال صلى الله عليه وسلم: "وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، فصنعت لكم طعاماً فحضرتموه". فقالوا: "لا حاجة لنا بطعامك، فأخرج عنا".فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مولاه أن يحمل ميمونة إليه حين يمسي.
فلحقت به ميمونة إلى سَرِف، وفي ذلك الموضع بنى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه البقعة المباركة، ويومئذ سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ميمونة بعد أن كان اسمها برة. فعقد عليها بسرف بعد تحلله من عمرته لما روي عنها: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف".

ميمونة والرحلة المباركة إلى المدينة المنورة:

ودخلت ميمونة رضي الله عنها البيت النبوي وهي لم تتجاوز بعد السادسة والعشرين. وإنه لشرف لا يضاهيه شرف لميمونة، فقد أحست بالغبطة تغمرها والفرحة تعمها، عندما أضحت في عداد أمهات المؤمنين الطاهرات رضي الله عنهن جميعاً. وعند وصولها إلى المدينة استقبلتها نسوة دار الهجرة بالترحيب والتهاني والتبريكات، وأكرمنها خير إكرام، إكراماً للرسول صلى الله عليه وسلم وطلباً لمرضاة الله عز وجل.
ودخلت أم المؤمنين الحجرة التي أعد لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتكون بيتاً لها أسوة بباقي أمها المؤمنين ونساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا بقيت ميمونة تحظى بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتفقه بكتاب الله وتستمع الأحاديث النبوية من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتهتدي بما يقوله، فكانت تكثر من الصلاة في المسجد النبوي لأنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلى المسجد الحرام".
وظلت ميمونة في البيت النبوي وظلت مكانتها رفيعة عند رسول الله حتى إذا اشتد به المرض عليه الصلاة والسلام نزل في بيتها.. ثم استأذنتها عائشة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لينتقل إلى بيتها ليمرض حيث أحب في بيت عائشة.


حفظها للأحاديث النبوية:

وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، عاشت ميمونة رضي الله عنها حياتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم في نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة والتابعين؛ لأنها كانت ممن وعين الحديث الشريف وتلقينه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنها شديدة التمسك بالهدي النبوي والخصال المحمدية، ومنها حفظ الحديث النبوي الشريف وروايته ونقله إلى كبار الصحابة والتابعين وأئمة العلماء. و كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف والحافظات له، حيث أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً وسبعين حديثاً



ميمونة وشهادة الإيمان والتقوى:


وعكفت أم المؤمنين على العبادة والصلاة في البيت النبوي وراحت تهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتقتبس من أخلاقه الحسنة، وكانت حريصة أشد الحرص على تطبيق حدود الله، ولا يثنيها عن ذلك شيء من رحمة أو شفقة أو صلة قرابة، فيحكى أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها، فوجدت منه ريح شراب، فقالت: "لئن لم تخرج إلى المسلمين، فيجلدونك، لا تدخل علي أبدا". وهذا الموقف خير دليل على تمسك ميمونة رضي الله عنها بأوامر الله عز وجل وتطبيق السنة المطهرة فلا يمكن أن تحابي قرابتها في تعطيل حد من حدود الله. وقد زكى الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان ميمونة رضي الله عنها وشهد لها ولأخوتها بالإيمان لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم الفضل، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن" رضي الله عنهم جميعاً.



الأيام الأخيرة والذكريات العزيزة:


كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، قد عاشت الخلافة الراشدة وهي عزيزة كريمة تحظى باحترام الخلفاء والعلماء، وامتدت بها الحياة إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. وقيل: إنها توفيت سنة إحدى وخمسين بسرف ولها ثمانون سنة، ودفنت في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها رضي الله عنها، وهكذا جعل الله عز وجل المكان الذي تزوجت به ميمونة هو مثواها الأخير. قال يزيد بن الأصم: "دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وتلك هي أمنا وأم المؤمنين أجمعين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، آخر حبات العقد الفريد، العقد النبوي الطاهر المطهر، وإحدى أمهات المؤمنين اللواتي ينضوين تحت قول الله تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )).
وصدق الله العظيم.


فضائل وأسباب شهرة ميمونة:


وكانت لأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها شهرة شهد لها التاريخ بعظمتها، ومن أسباب شهرتها نذكر:
إن أم ميمونة هند بنت عوف كانت تعرف بأنها أكرم عجوز في الأرض أصهاراً - كما ذكرت سابقاً- فأصهارها: أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين.
ومن أسباب عظمتها كذلك شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها ولأخواتها بالإيمان، لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم الفضل زوج العباس، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن" رضي الله عنهن جميعاً.
ومنه تكريم الله عز وجل لها عندما نزل القرآن يحكي قصتها وكيف أنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )).
ومن ذلك أنها كانت آخر من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها ختمت أمها المؤمنين، وكانت نعم الختام . وقد كانت تقيه تصل الرحم لشهادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لها عندما قالت: " إنها والله كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم".
ومما يذكر لميمونة رضي الله عنها أنها كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من الحافظات المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف، ولم يسبقها في ذلك سوى أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
 

 

الجمعة، 26 يوليو 2013

أروي بنت عبد المطلب رضى الله عنها

أروي بنت عبد المطلب رضى الله عنها
عمات الرسول صلى الله عليه وسلم  
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم 
أسمها ونسبها :  
هي أروى بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم .

زواجها : تزوجت أروى من كلدة بن مناف ابن عبد الدار بن قصي.
 

إسلامها:


أسلمت أروى وأختها صفية - رضي الله عنهما- جميعا ،وهاجرتا إلى المدينة ، وأسلم ولدها طليب قبلها في دار الأرقم. ولما أسلم ابنها طليب بن عمير بن وهب في دار الأرقم ، توجه إليها ليدعوها إلى الإسلام ، ويبشرها بما من الله تعالى عليه من التوفيق إلى الهداية إلى دينه الحق ، فقال لها : ( تبعت محمد -صلى الله وعليه وسلم - ألمت لله ) فقالت له : ( إن أحق من وزرت وعضدت ابن خالك ! والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه وذببنا عنه ) فقال طليب: ( فما يمنعك يا أمي من أن تسلمي وتتبعينه ؟ فقد أسلم أخوك حمزة) فقالت أروى : ( أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن ) فقال لها : ( فإني أسألك بالله تعالى إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ) ثم كانت بعد ذلك تعضد النبي -صلى الله وعليه وسلم - بلسانها ، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره -صلى الله وعليه وسلم . فقد شهدت شهادة الحق، وقامت تدافع عنه، وتذب عنه بلسانها وتشيع بين نساء قريش صدقه وأمانته ، وأنه نبي الله ، وتدعوهن للإسلام - رضي الله عنها وأرضاها.


صفاتها:


تتصف أروى بنت عبد المطلب بصفات عديدة منها : الصدق والأمانة، وكانت تدعو النساء إلى الإسلام وكانت راجحة الرأي. وهي إحدى فضليات النساء في الجاهلية والإسلام، فقد عرفت الإسلام وفضله في بداية الدعوة ، وكانت ذات عقل راجح ورأي متزن يتضح ذلك في خطابها مع ولدها ومقابلتها لأخيها أبي لهب ، ومن خلال إسلامها مع أختها صفية - رضي الله عنهما - يبدو قوة العلاقة التي تجمعها بأختها صفية، فقد أسلمتا معا وهاجرتا معا، ويبدو من حوارها مع ولدها حول دعوته للإسلام ، حبها للتريث ومشاركة الآخرين بالرأي حينما قالت له : ( أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون إحداهن ) ،رضي الله عنها .


مساندة أروى للنبي صلى الله وعليه وسلم ونصرته:


تزوجت أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - من عمير بن وهب بن عبد قصي فولدت له طليبا. وكانت أروى قبل إسلامها تعضد النبي - صلى الله وعليه وسلم - فذكروا: أن ابنها طليب بن عمير أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ، ثم خرج فدخل على أمه أروى ، فقال لها: تبعت محمدا وأسلمت لله. فقالت له أمه: ( إن أحق من وازرت وعضدت ابن خالك ، والله لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه وذببنا عنه)، فقال طليب: فما يمنعك يا أمي من أن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة؟. فقالت:انظر ما يصنع أخواتي، ثم كانت تعضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره .

وعرض أبو جهل وعدد من كفار قريش للنبي - صلي الله عليه وسلم - فآذوه فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه ضربة شجه، فأخذوه وأوثقوه، فقام دونه أبو لهب حتى خلاه، فقيل لأروى: ألا ترين ابنك طليبا قد صير نفسه عرضا دون محمد؟ فقالت: (خير أيامه يوم يذب عن ابن خاله، وقد جاء بالحق من عند الله) فقالوا : ولقد تبعت محمدا؟ قالت: نعم.

فخرج معهم إلى أبي لهب فأخبره، فأقبل عليها فقال: عجبا لك ولاتباعك محمدا وتركك دين عبد المطلب، فقالت: قد كان ذلك، فقم دون ابن أخيك وامنعه، فإن يطهر أمره فأنت بالخيار أن تدخل معه،وإن تكون على دينه، فإنه إن يصب كنت قد أعذرت في ابن أخيك . فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ جاء بد ين محدث، ثم انصرف، وقالت:

أن طليبا نصر ابن خاله واساه في ذي دمه وماله

وهاجرت إلى المدينة وبايعت النبي - صلي الله عليه وسلم. ولما انتقل ر سول الله - صلي الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، قالت أروى بنت عبد المطلب:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تك حافيا

كان على قلبي لذكر محمد وما جمعت بعد النبي المجاويا


شعرها:


وهي شاعرة مجيدة وقد رثت أباها عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه و سلم شعرا ، فقالت :

بكت عيني وحق لها البكاء على سمح سجيته الحياء

على سهل الخليقة ابطحي كريم الخيم نيتة العلاء

على الفياض شبيه ذي المملي أبيك الخير ليس له كفاء

طويل الباع أملس شي ظمي أغر كان غرته ضياء

أقب الكشح أروع ذي فضول له المجد المقدم والثناء

أبي الضيم أبلج هبر زي قديم المجد ليس له خفاء

ومعقل مالك وربيع فهر وفاصلها إذا التمس القضاء

وكان هو الفتى كرما وجودا وبأسا حين تنكسب الدماء

إذا هاب الكماة الموت حتى
كأن قلوب أكثرهم هواء

مضى قدما بذي ربد خشيب
عليه حين تبصره البهاء


ووفاتها:


وتوفيت سنة 15 هجري في خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه .

صفية القرشية رضى الله عنها

صفية القرشية رضى الله عنها
عمات الرسول صلى الله عليه وسلم  
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم


أصلها ونسبها:


هي صفيه بنت عبد الرحمن بن عمرو بن عمر بن موسى بن الفراء... عمّة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي أخت حمزة بن عبد المطلب، أمها هالة بنت وهب خالة النبي، عليه الصلاة والسلام...


زواجها:

كان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك حارث فتزوجها العوام بن خويلد بن أسد فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة .أسلم أبنها طليب قبلها في دار الأرقم، كانت دائما تحض بلسانها على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.


بيعة صفية رضي الله عنها:


بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابيات على الإسلام وما مسّت يدُهُ يد امرأة منهنّ. وكان من بين الصحابيات عمته صفية بنت عبد المطلب. وكانت لهذه البيعة أثرٌ واضح في حياتها، والأمانة والإخلاص في قولها وعملها.


أدبها:

كانت رضي الله عنها أديبة واعظه فاضلة أنشدت لنفسه في الوفاء فقال:
إذا ما خلت من أرض كد أحبتي فلا سال واديها ولا أخضر عودها.



وقالت في الفخر أيضا :

نحن حفرنا للحجيج زمزم سقيا نبي الله في المحرم

وقد رثت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تك جافيا

وكنت رحيما هاديا معلما لبيك عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبي لفقده ولكن لما أخشى من الهرج آتيا

كأن على قلبي لذكر محمد وما خفت من بعد النبي المكاويا

أفاطم صلى الله أمي وخالتي وعمي وآبائي ونفسي ومالي

فلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ولكم أمره كان ماضيا

عليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من العدن راضيا

أرى حسنا أيتمته وتركته يبكي ويدعو جده اليوم نائيا


جهادها ومواقفها:


لم يفرض الإسلام الجهاد على النساء، ولكنه لم يحرمه عند الضرورة. شاركت صفيه رضي اللة عنها في غزوة أحد . وذلك بقتال الأعداء بالرمح. وقد جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول: انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان أخوها حمزة بن عبد المطلب قد قتل ومثل به.. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة قال لابنها الزبير: أرجعها لكي لا ترى أخيها. فذهب إليها الزبير بن العوام وقال: يا أماه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي .
فقالت صفية بنت عبد المطلب: ولم؟ لقد بلغني أن أخي مات ، وذلك في الله، لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله. فلما جاء الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أمه صفية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خل سبيلها، فأتت صفية فنظرت إلى أخيها حمزة، وقد بقرت بطنه، فاسترجعت واستغفرت له.
وشهدت غزوة أحد الخندق، وكان لصفية - رضي الله عنها- موقف لا مثيل له في تاريخ نساء البشر. فحين خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم- لقتال عدوة في معركة الأحزاب ( الخندق ) ...وقام بوضع الصبيان ونساء المسلمين وأزواجه في ( فارع ) حصن حسان بن ثابت، قالت صفية:" فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت، قالت: فقلت يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود، وقد شُغل عنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. قال: والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فاحتجزت ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن، وقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه. فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. قال: ما لي بسلبه من حاجة.
وقد كان لهذا الفعل المجيد من عمة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أثر عميق في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم، ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الآطام والحصون في منعة من الجيش الإسلامي -مع أنها كانت خالية عنهم تماماً- فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل، إلا أنهم أخذوا يمدون الغزاة الوثنيين بالمؤن كدليل عملي على انضمامهم إليهم ضد المسلمين، حتى أخذ المسلمون من مؤنهم عشرين جملاً. ( وبذلك كانت أول امرأة مسلمة تقتل رجلا في سبيل الله).


وفاتها :


توفيت - رضي الله عنها- في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين هجرية ، ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة، ودفنت في البقيع في دار المغيرة بن شعبة.
 
 

السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها

السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم 
أمهات المؤمنين (رضوان الله عليهم )
نسبها ونشأتها:


السيدة عائشة (رضي الله عنها) هو ما لهذه الإنسانة من عقل نير، وذكاء حاد ، وعلم جم. ولدورها الفعال في خدمة الفكر الإسلامي من خلال نقلها لأحاديث رسول الله وتفسيرها لكثير من جوانب حياة الرسول صلى الله عليه و سلم واجتهاداتها . وهي كذلك المرأة التي تخطت حدود دورها كامرأة لتصبح معلمة أمة بأكملها ألا وهي الأمة الإسلامية. لقد كانت (رضي الله عنها) من أبرع الناس في القرآن والحديث و الفقه، فقد قال عنها عروة بن الزبير (( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة)).
وفي هذه النقطة البحثية تطرقت إلى ثلاث مجالات تميزت فيهم السيدة عائشة وهي :

1. علمها وتعليمها .

2. السيدة المفسرة المحدثة.

3. السيدة الفقيه .

وقد اخترت هذه المجالات ؛ لأهميتها ولأثرها الواضح في المجتمع والفكر الإسلامي، فهي (رضي الله عنها) بعلمها ودرايتها ساهمت بتصحيح المفاهيم، والتوجيه لإتباع سنة رسول الله {صلى الله عليه وسلم}. فقد كان أهل العلم يقصدونها للأخذ من علمها الغزير، فأصبحت بذلك نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه.تلكم هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، زوجة رسول الله وأفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه. ولدت بمكة المكرمة في العام الثامن قبل الهجرة ، تزوجها الرسول {صلى الله عليه وسلم} في السنة الثانية للهجرة، فكانت أكثر نسائه رواية لأحاديثه.
كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكي (رضي الله عنها) عن ذلك فتقول ((فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وتزوجني لسبع وبنى بي لتسع (أي دخل بي)، ونزل عذري من السماء (المقصود حادثة الإفك)،واستأذن النبي صلى الله عليه و سلم نساءه في مرضه قائلاً: إني لا أقوى على التردد عليكن،فأذنّ لي أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده في الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكي، وقبض بين حجري و نحري، ودفن في بيتي)). توفيت(رضي الله عنها) في الثامنة والخمسين للهجرة.




علمها وتعليمها


تعد عائشة (رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد أحيطت بعلم كل ما يتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه. وكانت (رضي الله عنها) مرجعاً لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر، فقد كانوا (رضي الله عنهم) يستفتونها فيجدون لديها حلاً لما أشكل عليهم. حيث قال أبو موسى الأشعري : ((ما أشكل علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً)) .
وقد كان مقام السيدة عائشة بين المسلمين مقام الأستاذ من تلاميذه، حيث أنها إذا سمعت من علماء المسلمين والصحابة روايات ليست على وجهها الصحيح،تقوم بالتصحيح لهم وتبين ما خفي عليهم، فاشتهر ذلك عنها ، وأصبح كل من يشك في رواية أتاها سائلاً.
لقد تميزت السيدة بعلمها الرفيع لعوامل مكنتها من أن تصل إلى هذه المكانة، من أهم هذه العوامل:
- ذكائها الحاد وقوة ذاكرتها، وذلك لكثرة ما روت عن النبي صلى الله عليه و سلم .
- زواجها في سن مبكر من النبي صلى الله عليه و سلم، ونشأتها في بيت النبوة، فأصبحت (رضي الله عنها) التلميذة النبوية.
- كثرة ما نزل من الوحي في حجرتها، وهذا بما فضلت به بين نساء رسول الله.
- حبها للعلم و المعرفة، فقد كانت تسأل و تستفسر إذا لم تعرف أمراً أو استعصى عليها مسائلة، فقد قال عنها ابن أبي مليكة ((كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه)).
ونتيجة لعلمها وفقهها أصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم حتى غدت هذه الحجرة أول مدارس الإسلام وأعظمها أثر في تاريخ الإسلام. وكانت (رضي الله عنها) تضع حجاباً بينها وبين تلاميذها، وذلك لما قاله مسروق((سمعت تصفيقها بيديها من وراء الحجاب)).
لقد اتبعت السيدة أساليب رفيعة في تعليمها متبعة بذلك نهج رسول الله في تعليمه لأصحابه. من هذه الأساليب عدم الإسراع في الكلام وإنما التأني ليتمكن المتعلم من الاستيعاب، . فقد قال عروة إن السيدة عائشة قالت مستنكرة((ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمعني ذلك، وكنت أسبِّح-أصلي-فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم.
كذلك من أساليبها في التعليم، التعليم أحياناً بالإسلوب العملي، وذلك توضيحاً للأحكام الشرعية العملية كالوضوء. كما أنها كانت لا تتحرج في الإجابة على المستفتي في أي مسائلة من مسائل الدين ولو كانت في أدق مسائل الإنسان الخاصة. كذلك لاحظنا بأن السيدة عائشة كانت تستخدم الإسلوب العلمي المقترن بالأدلة سواء كانت من الكتاب أو السنة. ويتضح ذلك في رواية مسروق حيث قال((كنت متكئاً عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة،ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن ؟ قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه و سلمرأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت:يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني،ألم يقل الله عز وجل (ولقد رآه بالأفق المبين.ولقد رآه نزلةً أخرى)
فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ،فقال: ( إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين،رأيته مهبطاً من السماء سادّاً عِظَمُ خلقه ما بين السماء و الأرض )) فقالت: أولم تسمع أن الله يقول:( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) أو لم تسمع أن الله يقول:(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم).
قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية ، و الله يقول: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول ( قل لا يعلم من في السماوات و الأرض الغيب إلا الله ))
وبذلك يتضح لنا بأن السيدة عائشة (رضي الله عنها)كانت معقلاً للفكر الإسلامي، وسراجاً يضيء على طلاب العلم. ولذكائها و حبها للعلم كان النبي صلى الله عليه و سلم يحبها ويؤثرها حيث قال:(( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).


السيدة المفسرة المحدثة


كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عالمة مفسرة ومحدثة، تعلم نساء المؤمنين،ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدين،فقد هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسير والحديث. وإذا تطرقنا إلى دورها العظيم في التفسير فإننا نجد أن كونها ابنة أبو بكر الصديق هو أحد الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدها الصديق، كما أن ذكائها و قوة ذاكرتها سبب آخر،ونلاحظ ذلك من قولها:(( لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه و سلم وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)).
ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهد نزول الوحي على رسول الله، وكانت(رضي الله عنها)تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات.فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه و سلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله. وقد جمعت (رضي الله عنها) إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها و علو بيانها.
كانت السيدة تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده، ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل السيدة عائشة عن قوله تعالى(( حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كُذِبُوا جاءهم نصرنا…)) قلت: أ كُذِبُوا أم كُذِّبُوا؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا، قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قد استيقنوا بذلك، فقلت لها:وظنَّوا أنهم قد كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء و استأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن اتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك)).
وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدة عائشة كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدة عائشة تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم . أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقد احتلت (رضي الله عنها) المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، حيث إنها أتت بعد أبي هريرة ، وابن عمر وأنس بن مالك ، وابن عباس (رضي الله عنهم).
ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي صلى الله عليه و سلم كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية . ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي صلى الله عليه و سلم وتلقي السنة من السيدة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير.
كانت (رضي الله عنها) ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، وقد لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندما قالت له (( يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقه فسائلْه، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه و سلم علماً كثيراً، قال عروة: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان فيما ذكر أن النبي قال:إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفعُ العلم معهم، ويبقى في الناس رؤوساً جهَّالاً يفتونهم بغير العلم، فيَضلّون و يٌضلٌّون. قال عروة: فلم حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك و أنكرته، قالت: أحدَّثك أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إن ابن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحة حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص)) . ولذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها. ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة و فضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه و سلم الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام .



السيدة الفقيهة :


تعد السيدة عائشة(رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدين، وكما ذكرنا سابقاً بأن أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقد ذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت. ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بما عرفت من النبي صلى الله عليه و سلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها. فهاهي (رضي الله عنها) تؤكد على تحريم زواج المتعة مستدلة بقول الله تعالى : (( والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)).
وقد استقلت السيدة ببعض الآراء الفقهية، التي خالفت بها آراء الصحابة، ومن هذه الآراء:
1-جواز التنفل بركعتين بعد صلاة العصر، قائلة(( لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر)). وعلى الرغم من أنه من المعلوم أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه، فقال بعض الفقهاء أن التنفل بعد العصر من خصوصياته .
2- كما أنها كانت ترى أن عدد ركعات قيام رمضان إحدى عشرة ركعة مع الوتر، مستدلة بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ،وذلك عندما سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن ((كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)). فكان الصحابة (رضي الله عنهم) يصلونها عشرين ركعة، لأن فعل النبي صلى الله عليه و سلم لهذا العدد لا يدل على نفي ما عداه . وهكذا جمعت السيدة عائشة بين علو بيانها و رجاحة عقلها، حتى قال عنها عطاء:(( كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأياً في العامة)).


الخلاصة :


توفيت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وهي في السادسة و الستين من عمرها،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية و الاجتماعية والسياسية للمسلمين. وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول صلى الله عليه و سلم .
لقد عاشت السيدة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية ، فقد جمعت (رضي الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية ، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.
كما أن عروة بن الزبير قال فيها:((ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة))، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر:(( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر)).
وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي. فهي بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله صلى الله عليه و سلم

جعفر بن عبد المطلب

جعفر بن عبد المطلب 
أبو المساكين

انظروا جلال شبابه ....
انظروا نضرة أهابه .....
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف ..... وجوده الذي لا يخاف الفقر ...
انظروا طهره وعفته
انظروا صدقه وأمانته انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن والفضيلة والعظمة ، ثم لا تعجبوا فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خلقا وخلقا .
أنتم أمام من كناه الرسول ب ( أبى المساكين )
أنتم تجاه من لقبه الرسول ب ( ذي الجناحين )
انتم تلقاء طائر الجنة الفريد ( جعفر بن أبى طالب )

إسلامه :
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما أخذا مكانه العالي بين المسلمين المبكرين ...
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته " أسماء بنت عميس "
وحملا نصيبهما من الأذى والاضطهاد في شجاعة وغبطة .....
فلما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الهجرة إلي الحبشة ، خرج جعفر وزوجته حيث لبثا بها سنين عددا رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة ( محمد – عبد الله – عوف )

يوم المحاورة :
وفى الحبشة كان جعفر بن أبى طالب المتحدث اللبق ، والموفق باسم الإسلام ورسوله
ذلك أن الله أنعم عليه – فيما أنعم – بذكاء القلب ، وإشراق العقل ، وفطنة النفس ، وفصاحة اللسان .
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد أروع أيامه وأمجاده وأخلدها .....
فإن يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي ملك الحبشة لن يقل روعة ولا بهاءا ولا مجدا ....
وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها ولم يذهب من غيظها ولم يطامن من أحقادها هجرة المسلمين إلى الحبشة بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم ، هنالك قرر ساداتها إرسال مبعوثين إلي النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة ، ويحملان رجائها في أن يخرج من بلادة هؤلاء الذين جاءوا إليها لائذين ومستجيرين ....
وكان هذان المبعوثان : عبد الله بن أبى ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وكانا لم يسلما بعد ......
وحط الرسولان رحالهما بالحبشة ، وقابلا الزعماء الروحانيين بها ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها إليهم ثم أرسلا للنجاشي هداياه ومضيا يوغران صدر القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين ويستنجدان بهم لحمل النجاشي على إخراجهم من بلادة .....
وحدد يوم يلقيان فيه النجاشي ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها ...
وفي وقار مهيب ، وتواضع جليل ، جلس النجاشي عل كرسيه العالي ، تحف به الأساقفة ورجال الحاشية وجلس أمامه في البهو الفسيح المسلمون المهاجرون تغشاهم سكينة الله وتظلهم رحمته ووقف مبعوثا قريش يرددان الاتهام الذي سبق أن ردداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذا الاجتماع الحاشد الكبير :
" أيها الملك أنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، بل جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم "
وولى النجاشي وجهه شطر المسلمين ملقيا عليهم سؤاله :
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا " ؟؟؟؟
ونهض جعفر قائما ... ليؤدى المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ، نهض جعفر في تؤدة وجلال ، وألقى نظرات على الملك الذي أحسن جوارهم وقال :
" كنا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجواري ، ويأكل القوي منا الضعيف ... حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه ، وصدقه وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ....
وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ...
ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، ... فصدقناه وأمنا به ، واتبعناه على ما جاءه من ربه ، فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان وإلى ما كنا عليه من الخبائث ...
فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك "
والقي " جعفر " بهذه الكلمات المشفرة كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي إحساسا وروعة والتفت إلى جعفر وسأله :
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيئا "؟؟؟
قال جعفر : نعم ...
قال النجاشي : فاقرأه على...
ومضى جعفر يتلوا آيات من سورة مريم في أداء عذب وخشوع أثر فبكى النجاشي وبكى معه أساقفته جميعا ....
ولما كففت دموعه الهاطلة الغزيرة التفت إلي مبعوثي قريش ، وقال :
" إن هذا والذي جاء به عيسي ، ليخرج من مشكاة واحدة ...
انطلقا فلا والله ، لا أسلمهم إليكما " ....!!!!
انفض الجمع ، وقد نصر الله عباده وآزرهم في حين زرىء مندوبا قريش بهزيمة منكرة ...
ولكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة ، لا يتجرع الهزيمة ولا يذعن لليأس.
وفى الغداة سار إلي مقابلة الملك وقال له عمرو :
" أيها الملك إنهم ليقولون في عيسى قولا عظيما ".....
واضطرب الأساقفة ، واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة ، ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح .....
وانعقد الاجتماع من جديد ، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر :
" ماذا تقولون في المسيح "؟؟؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال :
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ...
فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح على نفسه ...
لكن صفوف الأساقفة ضجت بما يشبه النكير ....
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين :
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبكم أو آذاكم فعليه غرم ما يفعل " ...
ثم التفت صوب حاشيته وقال وسبابته تشير إلى مبعوثي قريش :
" ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ....
فوا لله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فأخذ الرشوة فيه "...!!!
وخرج مبعوثا قريش مخذولين ، حيث وليا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائدين إليها ....

استشهاد جعفر :
وكانت غزوة مؤتة تتحرك راياتها في الأفق متأهبة للزحف وللمسير ....
وتقدم جعفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا .....
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة بل ولا حربا صغيرة إنما هي حرب لم يخض الإسلام مثلها من قبل ، حرب مع جيوش إمبراطورية عريضة باذخة ، تملك من العتاد والأعداد والخبرة والأموال ما لا قبل للعرب ولا للمسلمين بها ومع هذا طار قلبه شوقا إليها وكان ثالث ثلاثة جعلهم الرسول قواد الجيش وأمراءه ...
خرج الجيش وخرج جعفر معه ...
والتقى الجمعان في يوم رهيب ....
وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين " زيد بن حارثة " حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى يقاتل بها فى إقدام خارق إقدام رجل لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة ......
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم ورأى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل ... وراح يصوب سيفه ويسدده إلى نحور أعداءه كنقمة القدر ... ولمح واحدا من الأعداء يقترب من فرسه ليعلوا ظهرها فعز عليه أن يمتطى صهوتها هذا الرجز فبسط نحوها سيفه وعقرها ....!!!!
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل ، وكأنه جيش لجب ...وأحاطوا به فى إصرار مجنون على قتله وحاصروه حصارا لامنفذ فيه للنجاة .
وضربوا بالسيوف يمينه ، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله .. وضربوها هى الأخرى فاحتضن الراية بعضديه ...
وفى هذه اللحظة تركزت كل مسئوليته فى ألا يدع الراية راية الرسول صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حي ...
وحين تكومت جثته الطاهرة ، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه فشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها وأخذها في قوة ومضى بها إلى مصير عظيم .
وهكذا صنع جعفر لنفسه موته من أعظم موتات البشر ...
وذهب المساكين جميعا يبكون أباهم .. فقد كان جعفر رضي الله عنه " أبا المساكين "
يقول أبو هريرة : " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب "
أجل كان أجود الناس بماله وهو حي ... فلما جاء أجله أبى إلا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه وحياته .
إنه هنالك فى جنان الخلد يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح ....
وإن شئتم فاسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
"لقد رأيته فى الجنة .. له جناحان مضرجان بالدماء ... مصبوغ القوادم " ....!!!
 

بلال بن رباح

بلال بن رباح
( مؤذن الرسول )    (صلي الله عليه وسلم ))

كان عمر بن الخطاب إذا ذكر أبو بكر قال :
" أبو بكر سيدنا ، وأعتق سيدنا "
وإن رجلا يلقبه عمر بسيدنا لهو رجل عظيم ومحظوظ ....
لكن هذا الرجل الشديد السمرة ، النحيف الناحل ، المفرط الطول ، الكث الشعر ، الخفيف العارضين - كما وصفة الرواة – لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه إلا ويحنى رأسه ويغض طرفه ، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل :

( إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا )
فمن هذا الحبشي الذي كان بالأمس عبدا ؟؟؟؟؟
إنه " بلال بن رباح " مؤذن الإسلام ومزعج الأصنام ....
إنه إحدى معجزات الإيمان والصدق ......
إحدى معجزات الإسلام العظيم ........
إن كثيرا من علية البشر ، وذوى الجاه والمال لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي
لكن صدق إيمانه وعظمة الدين الذي أمن بة بوأه في حياته وفى تاريخه مكانا عليا بين عظماء الإسلام
إن سواد بشرته وتواضع حسبة ونسبة وهوانه على الناس كعبد فقير لم يحرمه حين اثر الإسلام دينا من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه وطهره وتفانيه .
إسلام بلال :
إنه حبشي من أمة السود جعلته مقاديره عبدا لأناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمة إحدى إمائهم وجواريهم .
كان يعيش عيشة الرقيق تمضى أيامه متشابهة قاحلة لا حق له في يومه ولا أمل له في غدة ....!!!!
ولقد بدأت أنباء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تنادى سمعة ، حين أخذ الناس في مكة يتناقلونها وحين كان يصغى إلى أحاديث سادته واصيافهم ، سيما (أميه بن خلف) أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها .....
لطالما سمع أميه هو يتحدث مع أصدقائه حينا وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا ، وغما ، وشرا .
وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون ، الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد ... وكان يحس إنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها ، كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعده المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته .
وذات يوم يبصر بلال نور الله ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنين فيذهب إلي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسلم ......
ولا يلبث خبر إسلامه أن يذيع ، وتدور الأرض برؤوس أسيادة من بني جمح .. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور وتجثم شياطين الأرض فوق رأس "أميه بن جمح" الذي رأى إسلام عبد من عبدانهم لطمه جللتهم جميعا بالخزي والعار .
عبدهم الحبشي يسلم ، ويتبع محمد !!!!!
أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للإسلام وحدة ولكنه شرف للإنسانية جميعا ...
لقد صمد لأقصى ألوان التعذيب صمود الأبرار العظام .
لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضع رجال ويلقون به فوق بلال .
ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم حتى رقت لبلال فرضوا أن يخلوا سبيله على أن يذكر ألهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبريائهم ، ولا تتحدث قرش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره .
ولكن حتى هذه الكلمة العابرة رفض بلال أن يقولها ...!
نعم لقد رفض أن يقولها وأخذ يردد نشيده الخالد :
( أحد ، أحد )
ويذهب إليه أبو بكر الصديق وهم يعذبونه ويصيح بهم :
" أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله "..؟؟؟؟؟
وباعوه لأبى بكر الذي حرره من فورة وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار ......

مؤذن الرسول :

وبعد هجرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
والمسلمين إلى المدينة واستقرارهم بها ، يشرع الرسول للصلاة أذانها ....
فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم ؟
إنه بلال لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للإسلام وبصوته الندى الشجي مضى يملأ الأفئدة إيمانا والأسماع روعه وهو يردد :


اللـــــه أكبــــر اللـــه أكبــــــر
اللــــه أكبــــر اللــــه اكبـــر
أشهـــــد أن لا إلــه إلا الله
أشهــــتد أن لا إلـــه إلا الله
أشهد أن محمدا رسول الله
أشهد أن محمدا رسول الله
حــــي على الصـــــــــــــلاة
حــــي على الصـــــــــــــلاة
حــــي على الفــــــــــــــلاح
حــــي على الفــــــــــــــلاح
اللـــه أكبـــــر اللــــه اكبــــر
لا إلــــــــــه إلا اللــــــــــــه


وينشب القتال بين المسلمين وجيش قريشا الذي قدم المدينة غازيا وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الإسلام ، غزوة "بدر" تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها :
< أحد ، أحد >
وتمضى الأيام ..... وتفتح مكة ......
ويدخلها الرسول عليه السلام مكبرا شاكرا على رأس عشرة ألاف من المسلمين ...
ويدخل الرسول الكعبة مصطحبا بلالا ويأمره أن يعلو ظهر المسجد ويؤذن .
ويؤذن بلال .. فيا لروعة الزمان ، والمكان ، والمناسبة .
كفت الحياة في مكة عن الحركة ، ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان وراء بلال ....
وعاش بلال مع الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد معه المشاهد كلها ، ويؤذن للصلاة ، وكان بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله الذي كان يصفه بأنه رجلا من أهل الجنة ...
وذهب الرسول إلي الرفيق الأعلى راضيا مرضيا ونهض بأمر المسلمين من بعدة خليفته أبو بكر الصديق ..
وذهب بلال إلي خليفة الرسول يقول له :
" ياخليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل عمل المؤمن ، الجهاد في سبيل الله "
قال له أبو بكر : فما تشاء يابلال ؟؟؟
قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتى الموت .....
قال أبو بكر : ومن يؤذن لنا ؟؟؟؟؟
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع : إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله .


وفاة بلال :

ويختلف الراة ، فيروى بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي بها مجاهدا ومرابطا .
ويروى بعضهم الآخر ، أنه قبل رجاء أبو بكر في أن يبقى معه في المدينة ، فلما قبض وولى لخلافة عمر ، استأذن وخرج إلى الشام .
على أي حال فقد نذر بلال بقية حياته وعمرة للمرابطة في ثغور الإسلام ، مصمما على أن يلقى الله ورسوله على خير عمل يحبانه


آخر آذان لبلال :


وكان آخر آذان له ، أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر ، وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة .
ودعا أمير المؤمنين وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له ... بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا .... وكان "عمر" أشدهم بكاءا ...!!!


مصعب بن عمير

مصعب بن عمير

((مصعب الخير ) (أول سفراء الإسلام ))

• قصة اسلامه:
   هذا الرجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ بة الحديث
غرة فتيان قريش ، وأوفاهم بهاء ، وجمالا ، وشبابا .....
بالله ما أروعة من نبأ .. نبأ مصعب بن عمير أو "مصعب الخير " كما كان لقبة بين المسلمين .
إنه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام ورباهم محمد عليه الصلاة والسلام .
إن قصة حياته لشرف لبنى الإنسان جميعا .
لقد سمع الفتى ذات يوم ، ما بدأ أهل مكة يسمعونه عن محمد الأمين .....
" محمد الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.
وكان على الرغم من حداثة سنة ، زينة المجالس والندوات ، تحرص كل ندوة على أن يكون مصعب بين شهودها ، ذلك أن أناقة المظهر ورجاحة العقل كانتا من خصال بن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب .....
ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن أمن معه ، يجتمعون بعيدا عن فضول أهل قريش في دار" الأرقم بن أبى الأرقم " فلم يطل به التردد بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه .....
هناك كان الرسول يلتقي بأصحابه فيتلوا عليهم من القرآن ويصلى معهم لله العلى الكبير.....
ولم يكد " مصعب " يأخذ مكانه ، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألقة على شفتيه ، ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة حتى كان قلب " بن عمير" في تلك الأمسية هو القلب الموعود !!
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك " تتمتع بقوة فذة في شخصيتها وكانت تهاب إلى حد الرهبة .ولم يكن مصعب حين أسلم ليخاف من أحد على ظهر الأرض سوى أمه ولقد فكر سريعا وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضى الله أمرا .
ولكنها علمت فيما بعد فطار صوابها ومضت به إلى ركن قصي من أركان دارها وحبسته فيه وأحكمت عليه اغلاقة وظل رهين محبسه ذاك حتى خرج بعض المؤمنين إلى أرض الحبشة ، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ وغافل أمه وحراسة إلى الحبشة مهاجرا أوابا ثم يعود إلى مكة ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
وخرج مصعب يوما على بعض الصحابة وهم جلوس حول رسول الله (ص) فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيا ...
ذلك أنهم رأوه يرتدى جلبابا مرقعا باليا ، وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه حين كانت ثيابه كزهور الحديقة نضره ، وألقا ، وعطرا ....
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة وشاكرة ومحبة وتألقت على شقتيه ابتسامته الجليلة وقال :
" لقد رأيت مصعبا هذا ، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ثم ترك هذا كله حبا لله ورسوله " ...
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها وأصبح الفتى المتأنق المعطر لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب ، يأكل يوما ويجوع أياما ، ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة ، والمتألقة بنور الله جعلت منه إنسانا أخر يملأ الأعين جلالا والأنفس روعه

• أعظم مهمة في التاريخ
وآنئذ اختاره الرسول إلى أعظم مهمة وقت في حينها ، أن يكون سفيره إلى المدينة يفقه الأنصار الذين أمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة ، ويدخل غيرهم في دين الله ، ويعد المدينة ليوم الهجرة العظيم .
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم ، ولقد غزا أفئدة أهل المدينة بزهده وترفعه وإخلاصه ، فدخلوا في دين الله أفواجا ...
لقد جاءها يوم بعثة الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة ، وفى موسم الحج التالي لبيعة العقبة كان مسلموا المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم وكان عدد أعضائه سبعون مؤمنا ومؤمنة جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم " مصعب بن عمير"
لقد أثبت مصعب بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله (ص) عرف كيف يختار فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها . عرف أنه داعيا إلى الله ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس إلى الهدى وإلى صراط مستقيم وأنه كرسوله الذي أمن به ليس عليه إلا البلاغ .
لقد نجح أول سفراء الرسول (ص) نجاحا منقطع النظير ، نجاحا هو له أهل وبه جدير .

• استشهاد مصعب الخير

وتمضى الأيام والأعوام ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة وتتلمظ قريش بأحقادها وتعد عدة باطلها لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين وتقوم غزوة بدر فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر وتجيء غزوة أحد ويعبأ المسلمون أنفسهم ويقف الرسول (ص) وسط صفوفهم يتفرس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية ويدعوا مصعب الخير فيتقدم ويحمل اللواء .
وتشب المعركة الرهيبة ويحتدم القتال ويخالف الرماة أمر الرسول(ص) ويغادرون مواقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين لكن عملهم هذا سرعان ما يحول نصر المسلمين إلى هزيمة ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل وتعمل فيهم على حين غرة السيوف الظالمة المجنونة ...
وحين رأوا الفوضى والذعر يمزقان صفوف المسلمين ركزوا على رسول الله (ص) لينالوه ...
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر فرفع اللواء عاليا وأطلق تكبيره كالزئير ومضى يصول ويجول ويتواثب وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول (ص) بنفسه وجرد من ذاته جيشا بأسره أجل ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير يد تحمل الراية في تقديس ويد تضرب بالسيف في عنفوان ....
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول....

• مشهد الاستشهاد
حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل بن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء
وقع مصعب .... وسقط اللواء
وقع حلية الشهادة ، وكوكب الشهداء وقع بعد أن خاض باستبسال عظيم معركة الفداء والإيمان .


عمرو بن العاص

عمرو بن العاص
مقدمة :
كانوا ثلاثة فى قريش أتعبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه ....
وكان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة ....
ولكن اختار الله له طريق التوبة والرحمة فهداهم إلى الإسلام ....
وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل ... وغلى قائد من قادة الإسلام البواسل ...
وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظرة فيها فإن دوره كصحابي جليل بذل وأعطى سيظل يفتح على محياه أعيننا وقلوبنا ...
وهنا فى مصر بالذات ، سيظل الذين يرون فى الإسلام دينا قيما مجيدا ويرون فى رسوله الرحمة المهداة سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذى الولاء لهذا الرجل الذي جعلته الأقدار سببا لإهداء الإسلام إلى مصر وإهداء مصر إلى الإسلام فنعمت الهدية ونعم مهديها ..
ذلكم هو " عمرو بن العاص " رضي الله عنه ..
ولقد تعود المؤرخون أن ينعتوا عمرا ب ( فاتح مصر )
بيد أنا نرى فى هذا الوصف تجوزا وتجاوزا ، ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه " محرر مصر "
فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح ، إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا البلاد والعباد سوء العذاب وهما : إمبراطورية الفرس ، وإمبراطورية الروم ...
و مصر بالذات يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى ولما دوت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن : الله أكبر الله أكبر
سارعوا جميعا فى زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان ...
فعمرو بن العاص ورجاله لم يفتحوا مصر إذن إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها وتربط بالعدل مقاديرها وتجد نفسها وحقيقتها فى ضوء كلمات الله ومبادئ الإسلام ...
ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الذين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها....

إسلام عمرو بن العاص :
وعمرو بن العاص ولم يكن من السابقين إلى الإسلام فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل .
ومن العجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرو ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي وفى زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وسأل عاهل الحبشة عمرو كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقا ...؟؟؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا : " أهو كذلك " ؟؟
وأجابه النجاشي : " نعم فأطعني ياعمرو واتبعه فإنه والله لعلى حق وليظهرن على من خالفه " ..!!!
وركب عمرو ثبج البحر من فوره عائدا إلى بلادة وميمما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين ..
وفى الطريق إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام ..
ولم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يراهما حتى تهلل وجهة وقال لأصحابه :" لقد رمتكم مكة بفلذات أكبادها "
وتقدم خالد فبايع الرسول ثم تقدم عمرو فقال : " إني أبايعك على أن يغفر الله لى ما تقدم من ذنبي " ...
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا :" ياعمرو بايع .... فإن الإسلام يجب ما كان قبله " ..
وبايع عمرو ووضع دهائه وشجاعته فى خدمة الدين الجديد
وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، كان عمرو واليه على عمان ، وفى خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود فى حروب الشام ثم فى تحرير مصر من حكم الرومان ....

الأمير عمرو بن العاص :
واليت عمرو بن العاص قد قاوم فى نفسه حب الإمارة ...
على إن حب عمرو الإمارة كان إلى حد ما ، تعبيرا تلقائيا عن طبيعيه الجياشة بالمواهب ....
بل إن شكله الخارجى وطريقته فى المشى وفى الحديث كانت تومئ إلى إنه خلق للأمارة !! حتى لقد روى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا ، فابتسم لمشيته وقال :
"ما ينبغى لأبى عبد الله أن يمشى على الأرض إلا أميرا " ...
والحق أن أبا عبد الله لم يبخس نفسه هذا الحق . وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث باسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء والمقدرة ما يجعله واثقا من نفسه واثقا بنفسه معتزا بتفوقه ...
ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو الصارم فى اختيار ولاته يختاره واليا على فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ...
ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للأمارة يحمله على التفريط فى مسئولياته ، ما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه فى الولاية لحظة ....

صفات عمرو :
وكان عمرو رضي الله عنه حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ...
كما كان بالغ الجرأة مقداما ...
ولقد يمزج جرأته بدهائه فى بعض المواطن ، ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر قيل لأمير المؤمنين :
أن على رأس جيوش الروم بالشام " أرطبونا " أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة فكان جواب عمر :
" لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فلننظر عما تنفرج الأمور "...
ولقد انفرجت عن هزيمة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم الخطيرة عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر .. التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام .

وفاة عمرو بن العاص :
وفى السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها ... وراح يستعرض حياته فى لحظات الرحيل فقال :
" كنت أول أمري كافرا .. وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار....
ثم بايعت رسول الله فما كان فى الناس أحد أحب إلى منه ولا أجل فى عيني منه .. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ... فلو مت يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ...
ثم بليت بعد ذلك للسلطان وبأشياء لا أدرى أهي لي أم علي " ....
ثم رفع بصره إلى السماء فى ضراوة مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا :
" اللهم لا بريء فاعتذر ولا عزيز فأنتصر ، وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين "...
وظل في ضراعاته وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه وكانت أخر كلماته : لا اله إلا الله ........



 

عبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير
o أول جنين فى الهجرة:  
كان جنينا مباركا فى بطن أمه ، وهى تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم .
وهكذا قدر لعبد الله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها ، تبلغ قباء عند مشارف المدينة ، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة فى نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
وحمل أول مولود فى الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى دارة بالمدينة فقبله وحنكه وكان أول شيء دخل جوف عبد الله بن الزبير ريق الرسول الكريم ، واحتشد المسلمون فى المدينة وحملوا الوليد ثم طوفوا به فى شوارع المدينة كلها مهللين ومكبرين ...
ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه أشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم ، فلن تشهد المدينة وليدا ومنه أبدا ....
فلما أهل عبد الله بن الزبير كان وسيلة دمغ بها القدر إفك يهود المدينة وأبطل بها كيدهم وما يقترون ...!!!

o شباب عبد الله بن الزبير:
إن عبد الله بن الزبير لم يبلغ مبلغ الرجال فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه تلقى من ذلك العهد ، ومن الرسول نفسه كل خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ....
لقد راح الطفل ينمو نموا سريعا وكان خارقا فى حيويته وفطنته وصلابته ...وارتدى مرحلة الشباب فكان شبابه طهرا وعفة ونسكا وبطولة تفوق الخيال ....
وفى فتح إفريقيا والأندلس والقسطنطينية كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين من عمرة بطلا من أبطال الفتوح الخالدين ... على إن بطولته فى القتال كانت برغم تفوقها وإعجازها كانت تتوارى أمام بطولته فى العبادة ...
فلا حسبه ولا شبابه ولا مكانته ورفعته ولا أمواله ولا قوته ..... لا شيء من ذلك كله استطاع أن يحول بين عبد الله بن الزبير وبين أن يكون العابد الذي يصوم يومه ويقوم ليله ويخشع لله خشوع يبهر الألباب ...
إن الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة عبد الله بن الزبير لشيء يشبه الأسطورة فهو فى صيامه وفى صلاته وفى حجه وفى علو همته وشرف نفسه وفى سهرة الليل طوال عمره قانتا وعابدا وفى ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا وفى إيمانه الوثيق بالله وفى خشيته الدائمة له ....... هو فى كل هذا نسيج وحدة ..!!!!
وهو فى قوة خلقة وثبات سجاياه يزرى بثبات الجبال ...
واضح ، شريف ، قوى ، على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته وثبات نهجه ...

ولقد كان صموده فى وجه " معاوية " وابنه " يزيد " بطولة خارقة حقا .... فقد كان يرى إن " يزيد بن معاوية بن أبى سفيان " أخر رجل يصلح لخلافة المسلمين ، وهو محق فى رأيه فيزيد هذا كان فاسدا فى كل شيء لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها لنا التاريخ ...
فكيف يبايعه بن الزبير ؟؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادمة لمعاوية وهو حي ...
وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار الخليفة . وأرسل إلى ابن الزبير يتوعده بشر المصير ...
هنالك قال بن الزبير : " لا أبايع السكير أبدا "
وظل بن الزبير أميرا للمؤمنين ، متخذا من مكة المكرمة عاصمة لخلافته باسطا حكمه على الحجاز واليمن والبصرة والكوفة وخراسان والشام كلها عدا دمشق بعد أن بايعه أهل هذه الأمصار جميعا .....
ولكن الأمويين لا يقر قرارهم ولا يهدأ بالهم فيشنون عليه حروبا موصولة يبوءون فى أكثرها بالهزيمة والخذلان .

حتى جاء عهد " عبد الله بن مروان " وندب لمهاجمة عبد الله فى مكة واحد من أشقى بني أدم وأكثرهم إيغالا فى القسوة والإجرام وهو الحجاج الثقفي .
ذهب الحجاج على رأس جيشه لغزو مكة عاصمة الزبير وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير وحيدا بلا جيش ولا أعوان .
وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون ووجد عبد الله نفسه وحيدا وراح يقاتل الحجاج وجيشه فى شجاعة أسطورية وهو يومئذ فى السبعين من عمره .
ولن نبصر صورة أمينة لذلك الموقف الفذ إلا إذا أصغينا للحوار الذي دار بين عبد الله وأمه " أسماء بنت أبي بكر " فى تلك الساعات الأخيرة من حياته .
لقد ذهب إليها ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه وللمصير الذي بدا واضحا أنه ينتظره .
قالت له أسماء رضي الله عنها " أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق وتدعو إلى حق فاصبر حتى تموت فى سبيله ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية .....
وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت كم قٌتل معك "
قال عبد الله :" والله ياأماه ما أردت الدنيا ولا ركنت إليها وما جٌرت فى حكم الله أبدا ولا قتلت ولا غدرت "
قالت أمه أسماء :" إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبقني إلى الله أو سبقتك . اللهم ارحم طول قيامه فى الليل وظمأه فى الهواجر وبره بأبيه وبي "

o استشهاد عبد الله بن الزبير:
وبعد ساعة من الزمان انقضت فى قتال مرير غير متكافئ تلقى فيه الشهيد العظيم ضربة الموت وقام الحجاج بصلب الجثمان الهامد تشفيا وخسة .
وقامت أمه لترى ولدها وكالطود الشامخ وقفت تجاهه واقترب الحجاج منها فى هوان وذلة قائلا لها :
" يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الله بن مروان قد أوصاني بك خيرا !!!"
فصاحت به قائلة " لست لك بأم إنما أنا أم هذا المصلوب على الثنية وما بي إليكم حاجة ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"يخرج من ثقيف كذاب ومٌبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المٌبير فلا أراه إلا أنت "
وبعد فهل كان يمكن لعبد الله أن يحيا حياته دون هذا المستوى البعيد من التفوق ، والبطولة والصلاح وقد كان له أم من هذا الطراز ؟؟؟؟
سلام على عبد الله .......
سلام على أسماء .........
سلام عليهما فى الشهداء الخالدين .
سلام عليهما فى الأبرار الصالحين .