بابل
BABEL
يوجد نهران عظيمان في غرب
آسيا يتجهان جنوباَ حيث يصبان في الخليج العربي، هذان النهران هما دجلة والفرات،
وفي الطريق إلي البحر يمتد النهران عبر سهل خصيب عريض كان يعرف قديماَ باسم
"بابل"
وهذا الإقليم الآن جزء من
العراق،
ويطلق عليه اللفظ اليوناني "
ميزوبوتاميا"أي " ما بين النهرين "
، وكما هو معلوم في
التاريخ فإن هذا الإقليم جزء من المنطقة الواسعة ذات الأرض الغنية التي يطلق عليها
" الهلال الخصيب "
وكانت "بابل"
في يوم ما مهداَ للمدنية وكثير من أعمالنا بالأمس واليوم تمتد جذوره وترتد أصوله
إلى الشعوب التي عاشت هناك في الأزمنة الغابرة.
ومنذ 5000 سنة عندما كان
القدماء المصريون يبنون الأهرام، كان السومريون يعيشون في أرض ما بين النهرين، واستمرت
أقامتهم فيها قروناَ طويلة وكانوا السومريون بنائين مهرة، فأنشأوا المدن وشقوا
فيها الطرق الممهدة ومدوا تحتها " انابيب المجاري "
غير أنه لم يكن لديهم
حجارة للبناء فاستعملوا بدلاَ منها اللبن المجفف بالهواء، أو الآجر وهو اللبن
المحروق، ولقد اندثرت مبانيهم منذ عصور بعيدة
واشتغل هؤلاء الأولون
بالزراعة، واستخدموا مياه الأنهار في ري مزارعهم، وحفروا لذلك قنوات كبيرة تسحب
المياه من الأنهار، وكانوا يزرعون الشعير والقمح، واستخدموا الثيران لمساعدتهم في
حرث الأرض.
واستخدم السومريون
القوارب لعبور الأنهار والقنوات، كما استخدموا العربات في أسفارهم ونقل أمتعتهم،
ولعلهم كانوا يستخدمون الخيل أيضاَ.
وشفرات الحلاقة وأدوات
التجميل والزينة التي تعتقد أنها من الأدوات الحديثة استخدمها السومريون منذ زمن
بعيد جداَ.
وكان لديهم مصوغات جميلة
من الذهب والفضة، وأدوات وأوان نحاسية جيدة، وكان لدي أطفالهم الكثير من أنواع
اللعب مثل أطفالنا تماما في العصر الحديث، فكان لديهم الصفارات والشخاشخ
"والعربات والعجلات ولعب على هيئة حيوانات مختلفة.
وكان السومريون يعرفون
الكتابة، واستعملوا في ذلك عصياَ مدببة يكتبون بها على ألواح ناعمة رقيقة من
الفخار، فتحدث أشكالاَ غائرة في اللوح، وكانوا يستخدمون هذه الطريقة غالباَ في
عمليات تسجيل وبيع الأراضي أو الحيوانات.
وعرف السومريون الكثير عن
استعمال الأرقام، وغالباَ كانوا يحسبون بالستينات لا بالمئات، وربما كان حساب
الستين ثانية في الدقيقة، والستين دقيقة في الساعة، يرجع إلى هذه الريقة القديمة.
ومن وقت لآخر كانت
القبائل التي تسكن الصحراء المحيطة بهذه المنطقة تغير عليها.
ومنذ 3700 عام تمكن "حمورابي" أشد قادة هذه القبائل من أن يفرض
نفسه حاكماَ على هذه الأرض، وتحول "حمورابي"
فيما بعد إلي حاكم حكيم، ومما يدل على ذلك أنه أمر بجمع قوانين الأرض وتسجيلها
معاَ على لوحة حجرية كبيرة، ومن الممكن قراءة هذه اللوحة.
وقد جمع "حمورابي"
282 قانوناَ في موسوعته، ويبدو بعض هذه القوانين قاسياَ في الوقت الحاضر، ولكنها
بصفة عامة تعد قوانين عادلة، وساعدت كثيرا على حماية الناس.
- وهذه بعض أمثلة منها:
1- إذا قطع رجل شجرة من
حديقة دون موافقة مالك الحديقة فعليه دفع نصف صاع من الفضة.
2- إذا أستأجر رجل ثوراَ
أو حماراَ وحدث أن قتله أسد فالخسارة يتحملها المالك.
3- إذا بني أحد البنائين
منزلاَ لرجل آخر، وشيده على أسس غير متينة فانهار المنزل وتسبب في قتل صاحبه،
فجزاء هذا البناء الإعدام.
4- إذا صفع أحد الأبناء
ابناَ لرجل آخر، وكان الأبوان في درجة واحدة، وجب عليه أن يدفع صاعاَ من الفضة.
5- إذا رفض أحد الضباط أو
الجنود تنفيذ مهمة كلف بها من حاكم الدولة، أو إذا أجر شخصاَ آخر بدلاَ منه للقيام
بهذه المهمة، فإن هذا الضابط أو الجندي يكون جزاؤه الإعدام ويحق للشخص البديل أن
يستولي على منزله.
ولقد أتخذ حمورابي مدينة
بابل عاصمة لحكمه، وأطلق على شعبه اسم " البابليون " وفي عهده صار
البابليون من أعظم التجار، فأرسلوا القوافل التجارية إلى كل مكان.
وفي تجارتهم استعملواَ
قطعاَ من الفضة نقوداَ وكانوا يكتبون الفواتير التجارية وكل الأعمال التي تحتاج
إلي ورق بطريقة الحفر على الفخار، وكانت هذه الفواتير توضع أيضاَ في ظروف من
الفخار وكان كل تاجر له خاتمه الخاص وهو أسطوانة من الحجر عليها شعار خاص محفور عليها،
وكان التاجر يوقع بإمضائه بأن يضغط هذا الخاتم الحجر علي الفخار قبل أن يجف،
وبالمثل كان يفعل نفس الشيء على الظرف، وبعض هذه الأختام كان من التحف الفنية الرائعة.
وعرف البابليون تشييد
المباني من الآجر كما فعل أسلافهم الذين استوطنوا أراضي ما بين النهرين، ولكن مبانيهم
لم يبق منها أي أثر، وإن كنا نعرف البنائين في عهدهم توصلوا إلى معرفة طريقة بناء
البوابات.
وبعد حمورابي تدفق "
الكاشيت “من سكان الجبال الشمالية وغزوا بابل وكانوا يستغلون الخيل في القتال،
ولكن هؤلاء الغزاة لم يحملوا معهم أفكاراَ جديدة، بل تعلموا من البابليين واتبعوا
طريقتهم في الحياة.
وقبل عهد حمورابي بوقت
طويل نشأت مملكة صغيرة شمالي نهر دجلة، كانت هذه المملكة " آشور"، وبعد
مئات السنين من عهد حمورابي استطاع الآشوريون غزو
بابل وجزء كبير من الأراضي المحيطة بها.
وأسس الآشوريون إمبراطورية
قوية، واشتهر الآشوريون بأنهم رجال حرب، كانت جيوشهم الضخمة تستعمل أسلحة حديدية
وعربات حربية تجرها الخيول، كما استعملوا المجانيق في معاركهم، وكانت تفيدهم
كثيراَ في دك أسوار المدن.
وفوق ذلك عرف عن
الآشوريون مهارتهم في البناء والعمارة، لم تكن عاصمتهم بابل بل اتخذوا بدلاَ منها
"نينوي " في شمال بابل.
وكانت أسوارها تطل على
نهر دجلة بامتداد يزيد علي ثلاثة أميال، وأقيمت داخل هذه الأسوار المباني الجميلة
المزينة بالنقوش والنحت ومازال بعضها قائما حتى الآن.
ويظن أن أقدم مكتبة عرفها
الإنسان من أعمال أحد أباطرة آشور، وقد وجد في حطام هذه المكتبة ما يزيد علي عشرين
ألف لوح من الفخار.
وبالرغم من جيوشهم القوية
لم يستطيع الآشوريون حماية إمبراطورتيهم.
وغزت بابل إحدى قبائل
الصحراء المعروفة باسم "الكلدانيين".
وكان أعظم حاكم كلداني هو
"بختنصر الثاني “، وعادت بابل في عهده عاصمة للملك.
وشيد " بختنصر
" أسواراَ جديدة عالية حول المدينة وحول القصور، وكان أهم ما يميز هذه
الأسوار الحدائق التي زرعت فوقها، وغدت هذه الأسوار من عجائب الدنيا السبع وتعرف
في التاريخ باسم "الحدائق المعلقة"
ولقد لعبت الشمس والقمر
والنجوم دوراَ هاماَ في ديانة الكلدانيين، وكان الكهنة يعرفون الكثير من الأجرام السماوية،
وإذا كان التقويم في أسبوعنا الحالي سبعة أيام فهذا بفضل الكلدانيين، فقد كان
الشعب الكلداني يخصص كل أسبوع يوماَ يحتفل فيه بتقديس الشمس ويوماَ لتقديس القمر
ويوماَ لتقديس أحد النجوم الخمسة التي كانوا يعرفونها في ذلك الوقت
وبينما كان" بختنصر
" يعيد تشييد اصمته الجديدة "بابل"، كانت هناك إمبراطورية قوية
تنمو في الشرق هي إمبراطورية الفرس، وما لبثت
الإمبراطورية الفارسية أن ابتلعت أراضي الرافدين (دجلة والفرات)، وظلت هذه
الأرض لفترة طويلة منذ ذلك الحين جزءاَ من كل إمبراطورية ظهرت في هذه المنطقة
واحدة بعد أخري.
لتحميل الموضوع من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.